د. محمد عبدالله العوين
لدى بعض الجهات الحكومية عشق للبحث في الخبايا وما بين السطور، وما يمكن أن يعتمد عليه لتشذيب وابتسار واختصار أي توجيه يأتيه من المقام السامي يخص مصالح المواطنين.
أقول هذا إيضاحا للأمر الملكي الكريم الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية - وتضمن جانبين مهمين جداً؛ الأول: ضم الطلبة الدارسين على حسابهم الخاص في أمريكا إلى البعثة، والثاني: تحمل الدولة بدفع تكاليف علاج المرضى الذين يعالجون من أمراض مستعصية في أمريكا - شفاهم الله - مع مرافقيهم.
أمران ملكيان كريمان واضحان جليان لا لبس فيهما؛ إلا لمن أراد عرقلة تنفيذ الأمر الملكي وتعطيله في جانبه التعليمي أو الصحي.
كنت آمل أو أطمح أن يستفيد معالي الوزير المعني أيا كان وزير التعليم أو وزير الصحة من نص الأمر الملكي الذي لم يحدد بالدقة شرطا ولم يذكر وصفا ولا مدة أو زمنا؛ أن يستفيد الوزير من هذه السعة في نص الأمر الملكي الكريم فيجتهد في تفسيره ويتبحبح في فهم مضامينه الخيرة، ويتخذ بناء على ذلك قرارات تنفيذية سريعة تحل ما تراكم من مشكلات وقضايا وما عانى منه الطلاب والمواطنون المرضى من تأخير وتعطيل وطول انتظار وخسائر مالية كبيرة؛ فيبشرهم الوزير بأن الإرادة الملكية الكريمة التي تتوخى مصلحة المواطن وراحته وتيسير أموره قد فتحت له الأبواب لاتخاذ الحلول المناسبة لكل المشكلات التعليمية أو الصحية التي صدر بشأنهما الأمر الملكي.
ولكن ظني خاب وأنا أقرأ تفسيراً ضيقا للأمر الملكي الكريم - وأرجو أن يكون فهمي خاطئاً - بحيث يحرم منه مئات المبتعثين الدارسين على حسابهم الذين يقارب عددهم خمسة عشر ألف دارس؛ بسبب التشدد والمبالغة في تضييق نطاق دائرة الأمر الملكي؛ فيحرم - مثلا - دارسو اللغة من التأمين الطبي والتذاكر والمكافآت وتتحمل الوزارة - فقط - مصاريف فصلين تدفعهما للمعاهد أو الجامعات المعترف بهما.
وسعي وزارة التعليم في هذه القضية ليس جديدا؛ فقد وقفت أمام طلاب التعليم الموازي الذين أعلنت الوزارة نفسها قبولهم في البرنامج ثم ألغته، وبعد إلحاح من جمع كبير من طلاب الموازي ومقابلتهم الوزير طلبت منهم الوزارة تحمل تكاليف دراستهم على حسابهم الخاص! مع أنهم يشملهم قرار ملكي كريم بتحمل الدولة - وفقها الله - نفقاتهم الدارسية.
لا أعلم حقيقة لم تقف وزارة التعليم أمام رغبة وطموحات من يريد أن يتعلم مبتعثا أو يواصل دراساته العليا؛ كالمبتعثين في الداخل إلى الجامعات المحلية أو من يجمعون بين العمل والدراسة على نظام التعليم الموازي؟!
ولا أعلم لم تقف الوزارة عقبة أمام من يطمح إلى ترقية بعثته ويواصل دراسته للماجستير أو الدكتوراه بدون أن يقطع دراسته ويعود إلى البلاد؛ مع أنه حصل على قبول من جامعة معترف بها ؟ وتطلب منه الملحقية التواصل مع الوزارة؛ مع أن الملحقية هي المخولة بمتابعته وذلك يحتم عليه قطع دراسته والعودة إلى المملكة!
ولا أعلم إصرار الوزارة على إلزام الطلبة الدارسين على حسابهم الخاص إن أرادوا الانضمام إلى البعثة وهم منتظمون في الدراسة في معاهدهم أو جامعاتهم بأن يعودوا إلى المملكة لحضور ورشة العمل أو المحاضرات التوعوية ، متناسية أن ذلك يخل بسير دراستهم ويكلفهم الكثير من المال والوقت؛ بينما كان في وسع الوزارة ابتعاث لجنة تقدم المحاضرات التوعوية للدراسين في أي مكان من العالم!
إنني لا أعني هنا بالدعوة إلى التيسير الإخلالَ بالشرط الأساسي للبعثة؛ وهو القبول من معهد أو جامعة معترف بهما؛ بل ما سوى ذلك مما يخترعه التنفيذيون البيراقراطيون!
إنها مكرمة الملك سلمان - حفظه الله - لأبنائه؛ فلا تكدروا فرحتهم بها بعد تلك الأناشيد الوطنية النابعة من قلوبهم.
لو عاد كثيرون من هؤلاء الدارسين على حسابهم إلى الوطن لعدم قبولهم فإن الوزارة لن تجد لهم مقعدا في أية جامعة سعودية لازدحامها الشديد بالطلاب ، وسيكون مصيرهم البطالة ، ونعلم جميعا نتائجها المرة.