د. محمد عبدالله الخازم
نتيجة للحروب الداخلية وعدم الاستقرار ببعض الدول يبحث الناس عن الأمان عن طريق الهجرة للدول الأخرى، بحثاً عما يوفر لهم ذلك من متطلبات العيش الأساسية. وحينما تصل الحياة إلى مرحلة متقدمة في السوء لا يجد الإنسان بأساً في المغامرة بركوب المصاعب لأجل أمل، ولو كان كان غير مضمون بالكامل في النفاذ والوصول إلى بلاد أكثر استقراراً له ولأسرته وأولاده. يساعد على ذلك سوق سوداء وتحالفات استخباراتية تنشأ في العلن والخفاء لترويج وتسهيل فكرة الهجرة والمغامرة.
أكبر مثال لذلك هو موجة هجرة السوريين للدول الأوربية وتحول القضية إلى قضية رأي عام عالمي. بعض الدول المتقدمة تحظى بقبول أكبر من قبل اللاجئين الذين يرون الذهاب لها يستحق المغامرة والمقامرة، مقارنة بدول الجوار العربية والاسيوية والإفريقية...إلخ. ذلك خيارهم ولا نعترض على جهود الدول الأوربية في هذا الشأن ودوافعها الإنسانية والاقتصادية، لكن المزعج هنا هو تجاوز الإشادة بتلك الجهود إلى محاولة تحويل القضية إلى إساءة للدول الخليجية، وكأنها مسؤولة عن دفع ضريبة لكل الأخطاء العربية. أمام بعض إيجابيات الآخرين نرتد نشتم أنفسنا بدلاً من النظر لوقائع الأمور التي تبين أننا نفعل مثلهم وأكثر. هل يمكن على سبيل المثال القول بأن السعودية لا ترحب بالشعب السوري الشقيق؟ ونحن نجدهم في كل مكان بالمملكة ونجد أن السعودية؟ ليس فقط في الآونة الأخيرة ولكن منذ القدم تمثل الوطن الثاني المفضل لأغلب السوريين...
لم تتركهم السعودية ودول الخليج يغرقون في البحر أو تضعهم داخل أسوار وأحواش مغلقة، بل رحبت بهم ضمن أنظمتها وقدراتها الاقتصادية. والقضية الاقتصادية هنا ليست مجرد توفر المال كما يعتقد البعض حين يرى أن الخليج مجرد بئر نفط تنثر الأموال، بل هي فرص العمل والإنتاجية وغيرها من العوامل. هناك ثمانية ملايين أجنبي في السعودية أغلبهم من دول الجوار العربية، بما فيها سوريا التي يتباكى الناس على لاجئيها بالغرب. لقد تجاوز عدد السوريين الذين قدموا للمملكة منذ بداية الأزمة السورية المليون، وبعض التصريحات أشارت إلى أنه تجاوز المليونين. فهل المطلوب استقدام كافة الشعب السوري والصرف عليهم بدون القدرة على استيعابهم وتوفير فرص العمل والحياة المنتجة لهم؟ هل ستستقبلهم الدول الأوربية لتمنحهم ضماناً اجتماعياً ورواتب مجانية طول العمر، أم ستستقطبهم وفق أعداد مقننة، لا تتجاوز عشرات الآلاف في بعض الحالات، وبما يسمح بدمجهم ضمن قواها الاقتصادية والاجتماعية؟
رغم كل ذلك، أطرح سؤالاً بهذا المقال؛ لماذا جهودنا غير واضحة ومنكرة في هذا الشأن، مع السوريين وغيرهم من الاشقاء؟
أعتقد أن لدينا مشكلة تتعلق بالتعريفات والإحصاءات، فالدول المتقدمة لديها قوانين وتعريفات تميز بين المواطن والمقيم والمهاجر واللاجئ، وبالتالي من السهل عليها طرح الأرقام والإحصاءات ورسم السياسات وإبراز الجهود في هذا الشأن. نحن للاسف ليس لدينا نظام أو قانون واضح في التفريق بين الحقوق والمسؤوليات وطبيعة المواطنة لكل فئة من الفئات المشار إليها. ولذلك أعتقد أن الأمر الأول الذي يجب أن نعمل عليه يتمثل في تطوير الأنظمة والتعريفات التي تبين الجانب الشرعي لإقامة الأفراد والأسر بالسعودية. ربما تكون أنظمة مستقلة أو عن طريق تطوير بعض الأنظمة القائمة لتستوعب كل هذه التصنيفات والتعريفات. لا يمكن إنكار كرم الاستقبال للأشقاء السوريين، لكننا نحتاج وضوحاً في التصنيفات ومستوى الامتيازات والحقوق لكل فئة (اللاجئ والمهاجر والمقيم وغيرهم)، أولاً لتنظيم آليات التعامل مع مختلف الفئات وثانياً ليسهل علينا إبراز جهودنا للأعداء والأصدقاء معاً...
لدينا أكثر من مليوني لاجئ، لكن تسمياتنا الرسمية لهم عائمة؛ لم نسمهم لاجئين ولم نسمهم مهاجرين ففتحنا الباب للآخرين للتشكيك بجهودنا الكبرى في هذا الشأن.