د. محمد عبدالله الخازم
حادثة حريق مباني إسكان أرامكو بالدمام ليست الأولى أو الأخيرة في سلسلة حرائق المساكن والمؤسسات لدينا، وإن كنا اعتبرناها فاجعة أكبر من غيرها باعتبارها تقع بإسكان تشرف عليه شركة أرامكو التي تعودنا منها التميز، أو هكذا كنا نحسبها، في مواضيع السلامة واشتراطاتها. سنترك جانباً موضوع أرامكو وهل تراجعت معاييرها أم لا؟
على مستوى المملكة هناك مشكلة كبرى في موضوع الحرائق؛ إذ أشار تقرير للدفاع المدني إلى ارتفاع نسبة الحرائق العام الماضي؛ إذ تجاوز عددها 40 ألفاً و200 حادثة، منها أكثر من 65 % حرائق منزلية، بزيادة نسبتها 36 في المائة مقارنة بالعام 2010م. والسؤال المطروح هنا: من المسؤول عن هذه الحرائق وأكثر من نصفها نسبت مسبباته لمشاكل كهربائية؟
الدفاع المدني يفترض أنه معني بأمور السلامة، لكن واقع الحال والإمكانيات يشير إلى أنه من ناحية لا يُعنى بالسلامة في المنازل، ومن ناحية أخرى - وبافتراض إجادته لعمله - فإنه لا يعنى سوى بالسلامة الظاهرية، كوجود طفاية حريق أو مخارج طوارئ وغيرها، لكنه ليس معنياً بأساسيات السلامة في البناء كالتمديدات الكهربائية، وليس معنياً بأساسيات السلامة في الأجهزة الكهربائية ومطابقتها للمواصفات. كما أنه لا يهتم بوسائل السلامة الشائعة، مثل منبه الحريق في المنازل ومنبه أول أكسيد الكربون، وغيرها. بل إن البعض لا يرى الدفاع المدني سوى مجرد جهاز إطفاء حرائق..
هيئة المواصفات والمقاييس معنية بجودة المنتجات والأجهزة الكهربائية، لكن الواقع أن السوق مليء بمنتجات رديئة ومتواضعة الصنع من مختلف دول العالم، وليس هناك رقيب أو حسيب. أعذار الهيئة جاهزة، وأدوارها مع وزارتها الأم (وزارة التجارة) يبدو أنها غير متكاملة، بحيث يتم فحص المنتجات المنتشرة بناء على مواصفات مقننة وواضحة.
البلديات والأمانات لها نصيب كبير في موضوع السلامة؛ فهي المعنية بتصاريح البناء، لكن يبدو أن التصاريح تمنح لأمور شكلية كعدد الأدوار والارتدادات والشكل الخارجي، وليس لأمور جوهرية، أو أنها لا تملك الكفاءات القادرة والملتزمة بتطبيق المعايير والاشتراطات التي من أهمها تطبيق كود بناء صارم مفصل ومتقن.
وزارة الإسكان ما زالت غارقة في بحث العقار والحصول على الأراضي والبناء. أحب تسميتها وزارة توفير المساكن؛ لأنه أمامها شوط طويل لتصبح وزارة للإسكان بما تعنيه الكلمة من معانٍ لغوية وفنية!
من يقرأ حتى هذه النقطة ربما يتساءل: جميع الجهات أعلاه ليست مقنعة في أداء دورها في هذا الشأن؟ وأطمئنكم: لن أقترح وزارة جديدة نحمِّلها مسؤولية السلامة في المساكن والمنشآت، لكن أطرح فكرة التأمين كحل قد يُسهم في تكوين ذراع رقابية صارمة على معايير السلامة في المباني والمنشآت. أقصد هنا التأمين على المساكن والمباني، بحيث يصبح إجبارياً على كل مالك مبنى التأمين عليه لدى شركات تأمين متخصصة. فكرة التأمين ليست دائماً مهمتها التعويض عن الأضرار، رغم أن هذا الأمر بحد ذاته إيجابي، وينظر له كمنتج للتأمين، بل إنها ولكي تقلص قسط التأمين وما تقوم به من تعويض تُلزم الجهات المؤمَّن عليها بالالتزام بمعايير فنية معينة، بما فيها اشتراطات السلامة.
إذا كنا حذرين في تطبيق التأمين على جميع المساكن فأقترح البدء بالمباني والمحال التجارية، والعمائر الكبيرة كعمائر الشقق المفروشة والمجمعات والعمائر السكنية المعدة للـتأجير. وخلال سنوات عدة يتم التدرج للوصول إلى مرحلة التأمين على جميع المساكن. أعتقد أن الهدف النهائي المتمثل في تطبيق معايير السلامة وتعويض أضرار الحرائق والحوادث التي تتعرض لها المباني وساكنوها يستحق تطبيق التأمين وما قد يستوجبه من تكاليف إضافية. الدفاع المدني أتصوره المسؤول الأول للدفع بهذه المبادرة للأمام، فهل يعلق الجرس أم يبقى مجرد جهاز إطفاء؟