د. محمد عبدالله الخازم
هناك ظاهرة إدارية في الجامعات السعودية، تتمثل في تولي الأكاديمي منصباً إدارياً مسانداً، أو تحويل الوظيفة الإدارية إلى وظيفة أكاديمية. ونحن نعلم أن الوظيفة الأكاديمية محكومة بنظام، أهم ما يميزه أنها وظيفة يتولاها الأكاديمي بالتكليف لمدة سنتين، يمكن تجديدهما لمن هو في منصب العميد أو رئيس القسم أو من في حكمهما، وثلاث سنوات قابلة للتجديد لمن هو في منصب وكيل الجامعة. والمفترض أن تكون تلك الوظيفة أو المنصب ذات علاقة بالجانب الأكاديمي، بينما يوجد بالجامعة طاقم إداري وفني يساند الأكاديمي في المجالات الفنية والمالية والتقنية، ويتولى الوظائف ذات الطبيعة التخصصية أو الفنية الدائمة. على سبيل المثال: الشؤون المالية والإدارية ليست وظيفة أكاديمية وإنما هي وظيفة تخصصية مساندة، والأصل أن يشغلها موظف متخصص في الجوانب الإدارية والمالية، لكن ما يحدث بالجامعات هو تحويل تلك الوظائف إلى أكاديمية حتى أنه أصبح للجامعات وكلاء للشؤون المالية والإدارية بدلاً من أن يشغل هذه الوظيفة مدير للشؤون المالية والإدارية، ووصل الأمر أن يصبح أكاديمي طبيب وكيلاً للجامعة للشؤون المالية والإدارية! على سبيل المثال: التسجيل وظيفة فنية يتولاها مسجل الجامعة إلا في جامعاتنا أصبح التسجيل عمادة يتولاها أكاديمي، يجتهد فيها إدارياً. شؤون الموظفين وظيفة إدارية، ولكن جامعاتنا اخترعت عمادة شؤون أعضاء هيئة التدريس؛ ليتولاها عميد أكاديمي. بعض جامعتنا يوجد بكلياتها وكيل للشؤون الإدارية، يقوم بأعمال إدارية يفترض أن يؤديها شخص متخصص في الإدارة وشؤون الموظفين.
وهكذا ينطبق الأمر على وظائف أخرى أُشغل بها الأكاديميون، وتحول أداؤهم فيها إلى اجتهادات دون خبرات كافية أحياناً. وحتى لو أجاد البعض في تلك الوظائف فهل هي مهمة الأكاديمي أن يقضي وقته في أعمال إدارية أم يجب أن يتفرغ للجوانب الأكاديمية والبحثية والمهنية ذات العلاقة بتخصصه؟ ليس ذلك فقط، بل إن الجامعات بدأت تخترع مناصب إدارية، يُعيَّن عليها الأكاديميون، كمنصب مساعد وكيل الجامعة، أو مساعد عميد الكلية، وهو منصب اخترعته جامعة الملك سعود، وقلدها آخرون؛ إذ أصبح لوكيل الجامعة أكثر من مساعد من الدكاترة؛ فتم تضخيم الجهاز الإداري بأكاديميين، وكأن الهدف هو تكريم الأكاديمي بأي منصب كان، بما في ذلك مناصب المساعدين ومديري الإدارات. تلك المناصب تمنح شاغلها بدل عمل إداري، وتفتح له فرص المشاركة في اللجان والانتدابات والسفر وغيرها، مما لا يستطيع الحصول عليه بكفاءته الأكاديمية البحثية والتعليمية.
الخلاصة هي أن عدد وكلاء الجامعة ازداد، وعدد العمادات المساندة ازداد، وعدد المراكز ازداد، وعدد المساعدين ازداد، وهكذا يتضخم الهيكل الإداري بوظائف يشغلها الأكاديميون رغم أنها من صلب مهام الموظفين الإداريين. ويزداد الأمر سوءاً في ظل عدم وضوح التوصيف الوظيفي والصلاحيات، وتحوُّل الفعل الإداري إلى اجتهادات..
هذا الوضع خلق - ضمن ما خلقه - تهميشاً للموظف الإداري، وتذمراً ونقصاً في الرضا للموظف الإداري الذي وجد أن صلاحياته تذهب لغير المؤهل، أو وجد أن هناك طبقات إدارية تُخلق، ويوجد فيها أكاديميون، بعضهم أو كثير منهم يرى أنه أكثر تأهيلاً وأهمية وسلطة من الموظف الإداري. ويزداد الأمر تعقيداً حينما يعتقد الموظف الإداري أن الأكاديمي أصبح يتحكم في ترقيته وفي علاوته وفي تكليفه وهو غير مؤهل لذلك، بينما الأكاديمي لا أحد يحاسبه، وعلاوته وترقيته وتقييمه يحكمها النظام الأكاديمي البحثي، وليس حسن أدائه في المنصب القيادي الذي تولاه وهو غير متخصص وغير مؤهل فيه.
قبل جملة الختام أشير إلى أنني لست الوحيد الذي لاحظ هذه الظاهرة؛ وقد كتب عنها آخرون لهم التقدير الأدبي، وإن لم يتسع المقال لاستحضار أسمائهم.
الخلاصة: يجب مراجعة ظاهرة تضخم الهياكل الإدارية، وتكليف الأكاديميين بالوظائف الإدارية والفنية المساندة في الجامعات السعودية.