د. محمد عبدالله العوين
الموقف المنصف للعرب الذي يحمله الملك سلمان لتعديل مسار السياسة الأمريكية في المنطقة العربية هو أن تكون القوة العربية والإيرانية متوازنة من حيث القدرات والكفاءات؛ فكما أن لإيران نووياً لا بد أن يسعى العرب أيضاً إلى أن يكون لهم نوويهم، من باب توازن الردع، وأن يلتزم الإيرانيون مع العرب بعلاقة حسن الجوار، ويكفوا عن تدخلاتهم في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن.
إن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله ونصره - إلى أمريكا فاصلة، ولها ما بعدها؛ فهي إما أن تكون بداية لاتفاق على مسار جديد، ينهي حالة التدمير التي تمر بها المنطقة العربية في عدد من أقطارها، ولأمريكا يد في كثير مما يحدث إما بالتهيئة أو بالحماية أو بالصمت والتردد في اتخاذ موقف واضح، وعليها تحديد الموقف من إرهاب داعش وإرهاب بشار وإرهاب الحشد الشعبي الإيراني في العراق، وعليها أن تؤمن بسياسة التوازن بين القوتين الكبيرتين في المنطقة: القوة العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي مجتمعة، وفي الطليعة منها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؛ باعتبار قرب دول الخليج من إيران وما تمثله المملكة من ثقل ديني وتاريخي واقتصادي وعسكري يغير المعادلات السياسية والعسكرية كما هو حاصل الآن في اليمن متمثلاً ذلك في «عاصفة الحزم» التي تقودها المملكة بكل الاقتدار والعزم والاحترافية والشجاعة في القرار والتنفيذ.
ونقول مرة أخرى إن زيارة الملك سلمان «فاصلة»، ولها ما بعدها؛ فإن لم يتم الأخذ في الاعتبار ما حمله الملك سلمان من الملفات الساخنة الملتهبة التي تسعى السعودية إلى إطفائها بكل الوسائل الدبلوماسية حيناً أو العسكرية حيناً إن لزم الأمر فإن أزمات المنطقة الملتهبة سيمتد أوارها، لا إلى دول الجوار العربي فحسب، كإيران وتركيا وربما دول إفريقية وآسيوية أخرى، بل إلى أوروبا وأمريكا وغيرهما. ولعل أزمة «المهاجرين» الذين يفرون يومياً بالآلاف، ويموتون غرقاً في البحار، ويفترش الناجون منهم الحدائق، أو يحتمون بالملاجئ التي تكون أحياناً أشبه بمعتقلات النازي، أكبر دليل على أن أوروبا وأمريكا ستجني كثيراً من مرارات فاتورة الدم العربي المراق برخص على يد الأنظمة أو التنظيمات الإرهابية التي كونتها إيران، ومولتها وأطلقتها في دول المنطقة، ومنها داعش وحزب الله.
إن الملك سلمان حينما يحمل على عاتقه كل هذه الهموم العربية الثقيلة، ويقدمها بكل الشفافية والوضوح على طاولة الحوار في البيت الأبيض كحصيلة للأخطاء الأمريكية التي ارتكبها ساسة البيت الأبيض في المنطقة، يحمل أيضاً في وجدانه طموحات العرب والمسلمين إلى أن تنعم ديارهم بالمحبة والسلام والعمران والتحضر والتعايش مع الثقافات والحضارات الأخرى من منطق التكافؤ والتوازن التاريخي والحضاري، وأن التأزم الحاد وفورة الدم واستمرار حالة التدمير والخراب في ديار العرب لن تكون حالة عربية أو إسلامية خاصة بهم ومحدودة في ديارهم، بل ستكون - إن لم يتم تداركها - حالة متصاعدة من الإرهاب وتعطيل الحياة وإرباكها في العالم كله.
إن العدل هو أساس السلام، والنظر إلى العرب والمسلمين بعين غير عادلة ولا منصفة، ومنح غيرهم من الشعوب أو الأمم المجاورة حق الهيمنة عليهم، كما تفعل أمريكا حين تمهد وترعى وتؤيد وتدعم التمدد الفارسي في ديار العرب، لن يقود إلا إلى مزيد من اضطراب وتوتر العلاقات بين دول الجوار في منطقة الشرق الأوسط؛ ما ستنعكس آثاره السلبية المدمرة للحضارات في صور ومشاهد إرهابية عابرة المحيطات إلى كل القارات.
لا يمكن أبداً وبأي معيار وتحت أية ذريعة أن يقبل العالم المحب للسلام والمتنادي إلى إعلاء حقوق الإنسان ما يحدث في سوريا من قتل وتدمير وتجويع وحصار وتشريد لملايين السوريين إلى المنافي في البحار والبراري أو الموت تحت غبار هدير طائرات وبراميل الموت في الخرائب المهدمة.
لا يمكن لدول تدعي رعايتها حقوق الإنسان ورفعها عالياً لافتات التحضر والمدنية أن تقبل ما يحدث من مآسٍ دامية في مخيمات اللجوء المهينة تحت لهيب أغسطس أو زمهرير الشتاء في لبنان أو الأردن أو تركيا!
لا يمكن أبداً أن يرضى العالم الحر الغربي أو الأمريكي عما يفعله تنظيم «داعش» الإرهابي في الشام والعراق من إجرام وانتهاك حقوق الطوائف والنساء والأطفال على حد سواء.
إن الملك سلمان - يحفظه الله - يبسط كل هذه الرؤى أمام الزعامة الأمريكية وقادة الرأي فيه، وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما، وهي حالات مخجلة دامية لكل ذي ضمير شريف، يسعى إلى خير الإنسان وسعادته في أي مكان من العالم؛ لأن للحضارات دورة، وحتماً يوماً - كما هي سنة التاريخ - ستتبدل المراكز والأطراف.