د. خيرية السقاف
هي واحدة من آيات الله في خلقه، نلك المحرِّضة للتدبُّر، الموثِّقة لليقين، المحفِّزة للحركة القلبية، والعضوية في الإنسان، الرابطة بين المرء وربه في أجلى صور الرضا والطاعة والامتثال والارتباط..
هي هذه الابتلاءات التي تصيب المرء في الدنيا فيذهب ذو اليقين إن نزلت به إلى الصبر والعمل، صبر الاحتساب، وعمل القلب والجوارح دعاءً واستغفاراً وطلباً ورجاءً ثم عمل القوى في الجسد تجنباً واعتباراً.. فلا يتقاعس عند المرض عن السعي للطب للعلاج، ولا يتوانى في الوقت نفسه عن الدعاء والذِّكر للشفاء..، متبعاً هذا في كل نازلة ابتلاء حسب نوعها، ومنازلها، ومطالبها،.
وهذا هو المسلك الصحيح لكل من يعي أنّ كل ابتلاء في ظاهره هو منفذ لنعيم لا تدركه أحلام الإنسان على الأرض، وإن ضاق به ، أو تعسّر مخرجه، أو صعب عليه الخروج منه، أو حار في أمره ظنه، أو عجز في قدرته عن إدراك أبعاده..
فالمثل في هذا كمن يفقد غالياً في أية ظروف، وعلى أية نهاية، ومن يخسر جاهاً، أو يبتلى بظلم، ومن يشح ماله، أو يتعثّر في مساعيه، ومن يكسب قليلاً لا يكفيه، أو حتى من تتدفق عليه خيرات الدنيا بما لا يحصيه، من يمرض، أو يحرق، أو يتردى، أو يغرق، أو يضيق به أمر، أو من يسعى فلا ينال، ويبذل ولا يصل، ويعطي فلا يحفظ عند الآخر معروفه، أو من يبتلى بعاق، أو بعقم، أو بداء أو بإعاقة ، من يُسرق، ويجنى عليه،...
فإنّ كل هذه الابتلاءات محفزات للعمل تدبُّراً، وللصبر تفكُّراً، وللرضا احتساباً، .. ولتفعيل الجوارح شكراً، ودعاءً، وذكراً، والتجاءً..
وإلاّ كيف تدوم العلاقة بين المرء بكل جوارحه، بين المرء وكامل تفكيره، بين المرء ومنتهى شواغل قلبه، ونبض مشاعره مع الذي خلقه، وأعطاه، وأوجده، ووعده، وعلّمه، ويسأله..؟!
إنّ المرء ليكون على درجة مرضية من إدراك هذه العلاقة بينه وبين خالقه سبحانه وتعالى يحتاج لأن يُعوَّد منذ الصغر ليعتاد على معرفة هذه العلاقة، وعلى توظيف معرفته بها بتوظيف القلب في جوفه، والعقل منه ليكونا منها في نهج سليم وصحيح،
فعمل القلب والعقل فيه، نية في الصدر، وقوى في الجسد، لا يتقاعس عن الأداء فيه لسان ذاكر لا يكل، وجوارح راضية لا تفتر..، وهمة عالية في مساعي قواه خارجهما.
إنه اليقين بأنّ الدنيا دار عبور، كل ما فيها دروس للتحصيل،..
والحصاد عسى أن يكون نعيماً لا يخطر على بال بشر..!