د. أحمد الفراج
لا جدال في أنّ الثورة السورية تعتبر واحدة من أعنف الثورات في العصر الحديث، إن لم يكن في التاريخ، وذلك لأنها قامت ضد نظام فاشي مجرم، يكون الولاء فيه للحزب لا للوطن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهذه الثورة أصبحت ميداناً للحرب بين القوى العظمى، إذ وجد النظام الفاشي الروسي، ومعه الصين وإيران، أنها فرصة ليعيد الطعن في الخاصرة للولايات المتحدة، والتي جابهته وطردته من أفغانستان قبل أكثر من عقدين، ومن ثم فككت الإمبراطورية السوفيتية، وغني عن القول إنّ القيصر الروسي بوتين لا زال يتألم من تفكك الاتحاد السوفييتي، ويحلم باستعادة المجد السوفييتي عن طريق الاتحاد الروسي، والذي يحكمه بوتين منذ فترة طويلة، وهنا وقع الشعب السوري في معضلة كبرى، خصوصاً بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي على الخط، وتقاعس الغرب عن مساعدته، وعن الجدية في محاربة داعش، ومن وراءها.
ما يهمني هنا هو الشعب السوري المنكوب، والذي تشرّد في بقاع الأرض، وهنا نتساءل عن السر الذي جعل «الإنسانية» تهبط فجأة على الغرب خلال الأسابيع الماضية، وعن سر هجرة إخوتنا السوريين المفاجئة لأوروبا، خصوصاً وأن معظم هؤلاء المهاجرين لم يأتوا من سوريا الجريحة، وإنما من تركيا واليونان ؟!!، وأنا هنا لا أنفي المؤامرة ولا أثبتها، فموقفي الذي كتبت عنه كثيراً هو أن من يؤمن بنظرية المؤامرة بالمطلق، ويتهم الآخرين بكل مصائب المسلمين والعرب فهو مخطئ، وكذلك يخطئ من ينفي المؤامرة تماماً، فالعلاقات الدولية تقوم على المصالح، وأحياناً تقتضي المصالح أن يتآمر الآخرون، ولسنا بصدد ضرب أمثلة واضحة، آخرها حكاية التثوير العربي، وما تمخض عنه حتى الآن.
هناك أسئلة مشروعة يجب طرحها، فمن الذي حث أخوتنا السوريين على الهجرة بأعداد كبيرة، وفي توقيت واحد، ومن الذي موّل عملية الهجرة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن المهربين يتقاضون ما لا يقل عن أربعة آلاف دولار للشخص الواحد، ونحن نعرف حالة إخوتنا السوريين المادية، ثم السؤال الأهم: «لماذا ركز الأعلام الغربي على قضية المهاجرين، وهو الذي تجاهل أحداثاً جساماً ليس أقلها ضرب بشار الأسد لشعبه بالبراميل المتفجرة، واستخدامه للأسلحة المحرمة دولياً؟!»، وأرجو أن لا يحدثني أحد عن حيادية الإعلام الغربي، وإنسانية القائمين عليه، فنحن نعلم أن السياسة هي التي ترسم توجه الإعلام، وهنا خطرت لي بعض الأفكار، وأنا أتابع هذا السيل الهادر من المهاجرين، وردّة الفعل الغربية على ذلك، وتساءلت: «هل من الممكن أن يكون هناك توجه عالمي لتغيير التركيبة السكانية لسوريا، قبل أن يتم طرح حل سياسي تقبل به روسيا والصين؟!!، أم أنّ هذه الهجرة، وتحويلها إلى حدث عالمي مأساوي، هي للضغط على روسيا والصين لتقبل مرغمة بحل وسط يرضي جميع الأطراف؟!!»، لأنّ تجاهل الغرب لما يجري في سوريا لمدة طويلة، ثم تركيز الأنظار عليه فجأة، عن طريق مآسي المهاجرين، أمر يثير الريبة والشك، وإن كنا في كل الأحوال نشكر الأوروبيين، خصوصاً ألمانيا، على تعاطفهم مع شعب سوريا المنكوب، والذي ذهب ضحية حلم التثوير العربي البائس!.