د. خيرية السقاف
في خضم الحياة المعاصرة، والوسائل والسبل التي تحيط بالأجيال الناشئة، وتقاطر المعلومات وتدفق مواردها، وتباين مصادرها، واختلاف اتجاهاتها، ينبغي للعلماء الجادين، وللمفكرين الواعين الذين يجدون فيهم ما يمكن أن يصحح لهذه الأجيال تداخلات الفكر عن دينهم، ويثبت فيهم أصول المعرفة به، ويعطي لهم الحقيقة عنه، ويكشف بين أيديهم عن الأوجه المختلفة التي تحيرهم، ويوظف عملياً القيم في جميع أنماط ومجالات السلوك أمامهم، ويجيبهم عن الأسئلة المحيرة، ويسدد لهم الفراغات الشاسعة، ويوطد في عمقهم الثقة في الإسلام بوصفه الدين القيِّم الذي ختمت به الرسالات، ورضي به الله تعالى، وأتمه، وأكمله ولن يقبل من أحد غيره،..
والسبب أنهم في الواقع يضطربون بين كثافة ما يجدون، ويجهلون المصادر التي يرجعون، وتتعمّق فيهم الحيرة بين علم صحيح عن دينهم تتنازعه اختلافات الآراء فيما ينقل عنه، وأساليب النقل بين متشدد لا تصل لغته إليهم وهم يختلفون عن جيله، وبين سالكين متناقضين بين أقوال، والتطبيق الفعلي لها في ظاهر ما يحيط بهم ، فتصلهم صورة مشوّهة عن دينهم، ويذهبون للمقارنة، وطرح الأسئلة، والميل نحو تقدير أي مجتمع بشري آخر..،
بينما في مجتمعهم العربي المسلم الشاسع لا يتفق، ولا يعمل في مسار واحد العلماءُ، ولا بجدية هادفة المعلمون، ولا بوعي المربون بما يصل إليهم لا تناقض فيه القول والفعل كما ينبغي عن طرق تناسب زمنهم، وتتسق مع فكرهم، وتنتصر على هذا التدفق المعلوماتي الذي هم في مجراه، وعلى تلك الصورة المناقضة التي يتعايشون معها من غير أهل الإسلام،..
فهناك في مجتمعات العالم الذي يذهبون إليه للدراسة، أو يتعايشون معه عن طرق التواصل بشتى قدراتها، ومؤثراتها، وفي فترات السياحة، والسفر، والتعامل باختلاف أسبابه يجدون النقيض التطبيقي في النظام، وحسن التعامل، واحترام القانون، وعدالة العقوبة، وأدب اللفظ، واحترام الحدود والحقوق، وقيمة العلم، ومكانة العالم، وقيم العمل، والإنتاج، وتجدد الحيوية ، وثقة الذات، واحترامها، ومعايير عامة واضحة، وتطبيق حدود صارمة، في مقارنة جلية أمامهم مع مجتمعاتهم التي تضرب مسالكُ أفرادها بمختلف مستوياتهم عرض الحائط بكل الذي يسمعون عنه في دينهم، لكنهم لا يجدون تطبيقه في مسالك أفراده بصورة جادة، وقاطعة..
فتنمو الأسئلة في صدورهم، وتطفو على سطح حضورهم..، وتبقى معلقة كل المتناقضات بكمها الهائل في الأقوال والأفعال تحيط بهم من كل صوب..!!
إنهم حين يطرحون الأسئلة لا يجدون من يجيبهم ،
وإنهم حين يقال لهم بأنّ الأخطاء فردية يجدونها سلوكاً عاماً..،
إذن كيف، ومتى، ولماذا أصبح المسلمون في سلوكهم غير المسلمين القائلين فيها إلا القلة..؟
صحيح أنّ انهيار الجدار بين القول والفعل، في المجتمع المسلم، قد بدأ ينقض مذ عشرات العقود حتى وصل إلى هذا التداخل، والاضطراب ، لكن المسؤولية تبقى على عواتق التعليم، والعالم المشبع بالاختصاص، والمفكر المسؤول عن التأثير، وكل صاحب مرجعية في المعرفة..
فلينهض الجميع لانتشال الأجيال المعاصرة من أمواج تضطرب فيها لديهم المعلومة الصحيحة، وتختفي عنهم الجذور المكينة، وتضيع بينهم الحقيقة، بأساليب حديثة قادرة على احتوائهم، مواكبة لزمنهم، مؤثرة بقدرتها في الاقتراب من خبراتهم ، لجذبهم لمواطن النور، والحق، والصواب ليكونوا خير من يسلك بما يجعلهم على الأرض واثقين فاعلين..، لا ريش في مهب العصر بأنوائه.!!