د. محمد عبدالله الخازم
يصل الإنسان إلى مرحلة التفكير في الانتحار أو تمني الموت عندما يشعر بأنه وصل مرحلة الفشل الشديد في حياته، أو بأن حياته لا معنى لها؛ حياة عذاب لا تستحق أن يعيشها بهذا الشكل. الفشل قد يكون ظاهرًا كالفشل في الدراسة أو الوظيفة أو الحياة الزوجية أو كسب احترام الأسرة والمجتمع، أو فشلاً في الدفاع عن قيمة أو قضية ما تخصه أو تخص عزيز عليه، أو فشلاً مفاهيميًا حول الحياة وفقدان الإحساس بقيمة الذات والوصول للقناعة بفراغ الحياة وتفاهتها...إلخ. هنا يبدو الانتحاري الذي فجر نفسه في المسجد أو أي مكان لديه أساس فكرة أو قابلية الانتحار وبدلاً من أن تكون فكرة انتحارية مجردة ومحرمة شرعًا فإنها تتحول إلى فكر ة انتحارية أكثر قبولاً لصاحبها وتصبح مبررة باعتبارها خدمة للدين والحصول على الجنة الموعودة أو تقويض - الانتقام من نظام - أعداء للعقيدة - الدين - الأمة... ظاهرة الانتحار لمبررات دينية ليست جديدة، مورست لدى جماعات يهودية ومسيحية وغيرها. بل وصلت حد الانتحار الجماعي لدى بعض الجماعات غير الإسلامية.
الدراسات النفسية تشير إلى أن أغلبية المنتحرين يخططون طريقة الانتحار، وهناك تحذيرات دائمة للمشتغلين في هذا المجال كالأطباء والمعلمين وكذلك للأسر بعدم التهاون في الموضوع حين يشير الإنسان بتفضيله الموت على الحياة، فقد يتحول الأمر من مجرد خواطر وتهديدات إلى تخطيط.
من حسن الحظ أن ليس كل من يكره الحياة أو يهدد بالموت يقدم على الانتحار وليس جميع الخطط الانتحارية تنجح، وبالذات حينما يتم كشفها وعلاجها..
التدين بطريقة متطرفة قد يجعل فكرة التفجير الانتحاري والالتحاق بالجماعات الجهادية أكثر قابلية لدى المضطرب أو اليائس من وضعه أو غير القادر على استيعاب التناقضات ما بين المثالية والواقع المعيش أو غير ذلك. الانتحاري الديني ليس مجرمًا بطبعه، بالرغم من أن عديدًا منهم يحمل سجلاً إجراميًا أو سجلاً فشل في الحياة قاده لبعض المحرمات أو التجاوزات. لذلك يختلف البعض في وصف الانتحاري هل هو مجرم سابق أم تائب متزمت؟ ذكاء قيادات الجماعات المختلفة وأغلبيتها الدين مدخلها لبث أفكارها ولتحقيق طموحاتها المختلفة، يكون بتوظيف تلك الاضطرابات لصالحها. الوعظ الديني بصفة عامة - ساستخدم مصطلح الدعوة هنا كمرادف أو بديل لمصطلح الوعظ- يركز على التناقضات الداخلية للإنسان لتحقيق مأربه، فهو يبدأ من تبيان المفاسد ثم نوعية العقاب لها قبل أن يقدم المكافأة والخلاص عبر التوبة والعمل الديني، وتكون أول المراحل هي الإقناع بأن الممارسة الحالية غير صالحة، وقد يكون الهدف هو الممارسة الفردية، لكن الأمر ليس مضمونًا بأن تصل قناعة الشاب إلى أن جميع الممارسات السياسية والمجتمعية فاسدة.
هناك نقطة فاصلة وعائمة في دور الواعظ أو الداعية الديني، فهو ليس بالضرورة يسفه الواقع ويعلي قيمة المكافأة في الآخرة بغرض دفع الناس للتضحية بذاتهم وإنما هو يهدف في الأساس إلى ما يعتقده هدف نبيل لهدايتهم وحثهم على ترك المنكرات - كما يراها- والعودة للصواب - كما يراه. الداعية هنا ليس معنيًا بالتناقضات النفسية والذاتية للشاب على المدى المستقبلي بقدر عنايته بتحقيق الهدف الذي يراه الأسمى وهو الوصول بالشاب إلى مرحة التوبة.
بمعنى أن نجاح الداعية يتمثل في هداية الناس وفق التصور المرسوم، بمختلف الوسائل، لكنه لا يدرك أحيانًا أنه بالغ في تعرية تناقضاتهم للحد الذي جعلهم يشعرون بتأنيب الضمير لتقصيرهم والاقتناع بفكرة التكفير عبر التضحية بالذات في سبيل العام، الإسلامي تحديدًا. الواعظ أو الداعية يتحمل مسؤوليته هنا في استخدامه الأمثلة والأدلة المتطرفة التي تغرس في ذهن الشاب أو الشابة، حول فضائل الجهاد والتضحية بالنفس وحول تفاهة الواقع وسوءه، دون أن يركز على فكرة قبول الآخر والتنوع وشروط الجهاد ومبرراته. ودون الاكتفاء بالتهذيب وتعلم العلاقة مع الله، بدلاً من الإنابة عن الله في الحكم على الآخرين ومعتقداتهم وأفكارهم أو الإنابة في إجبار الآخرين على اتباع ما يومن به.. (يتبع)