عبدالعزيز السماري
عندما لا تستطيع أمة تجاوز تحدياتها ، فاعلم أنها تعاني من أزمة عقول ، وتلك حالة تمر بها الأوطان ، وتستطيع تجاوزها إن أدركت أولاً أنها بالفعل تعاني من أزمة الحلول لعوائق التنمية والاقتصاد ، وقد استطاعت بعض الدول تجاوز تلك المعضلة ، عندما استعانت بخبرات أجنبية في مجال الاقتصاد والاستثمار ، وكان لها النجاح الكبير ، ولعل سيرة بعض الدول المجاورة مثال على ذلك ..
في أزمتنا الاقتصادية الراهنة ، في ظل وجود إستراتيجية بترولية غير واضحة المعالم ، من نتائجها استمرار تدهور أسعار النفط ، وفي وسط غياب الحلول الحقيقية لإيجاد البديل المستقبلي عن اقتصاد المورد الواحد ، حان الوقت لنعترف أننا بالفعل نعاني من أزمة العقول ، نتيجتها غياب التخطيط وإدارة المستقبل والاكتفاء بسياسة الانتظار ، وأن الزمن ربما لن يرأف بنا هذه المرة ، إن لم نتحرك في البحث عن العقول المنجزة قبل فوات الأوان ..
عانت كوريا الجنوبية من الفقر في القرن الماضي بسبب ندرة الموارد الطبيعية والاقتصادية، وواجهت النقص الكبير في الطاقة والمعادن وارتفاع تكاليف الإنتاج، لكن الاعتماد على العقل الذي يسعى للإنجاز أوجد الحلول ، فاستطاعت بعد سنوات من العمل التنموي الجبار أن تحتل المرتبة العاشرة من بين الدول الغنية في العالم ، كذلك كانت سيرة ماليزيا تحكي قصة الإنجاز العظيم بسبب وجود عقل يسعى لتحقيق المعجزة التنموية ..
مهاتير محمد أحد العقول التي ساهمت في إخراج وطنه من التخلف التنموي ، وكانت رؤيته في البدء هي التي أوصلت ماليزيا لما هي عليه الآن من دولة زراعية تصدر سلع بسيطة إلى دولة صناعية متقدمة ، وكان قد ألّف كتاب « معضلة الملايو « عام 1970م، وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى في مجتمعه ، حين تحدث بصراحة عن شعب الملايو.
انتقد في الكتاب شعب الملايو ، واتهمه بالكسل ودعا فيه الشعب لثورة صناعية تنقل ماليزيا من إطار الدول الزراعية المتخلفة إلى دولة ذات نهضة اقتصادية عالية ، وعندما تولى رئاسة وزراء ماليزيا عام 1981 ، بدأ في مسيرة إصلاح و تنمية شاملة للدولة ، وتحقق لماليزيا المجد بسبب عقله المنجز ..
أيها السادة ، حالنا ليست بأفضل حال من شعب الملايو ، وربما نشترك معهم في صفات الكسل والاعتماد على الدخل المادي بدون جهد ، لكننا لم نصل بعد إلى حالة اليأس والبؤس بسبب وجود مسكن النفط ، والذي أوهم السعوديين أنهم دولة اقتصاديه كبرى ، بينما هم مجرد طفيليات تعيش على أرباح بيع مادة خام في السوق العالمي ، ثم استهلاكها بأساليب بدائيه مخجلة..
حالنا ليست بأفضل من شعب الملايو ، بعدما هجرنا المزارع والأعمال اليدوية وثقافة العمل ، وأصبحنا عالة على العمالة الأجنبية التي تعمل وتحصد الأرباح ، لكنها تدفع عمولة الكفالة في نهاية السنة للكفيل الكسول ، وقد ساهمت أنظمة نطاقات وغيرها في تعزيز تلك الاتكالية من خلال سياسة التوظيف الوهمي في مؤسسات تجارية وهمية ، والنتيجة وهمية بامتياز ، ويظهر ذلك عندما نتصرف على أننا أثرياء ، بينما الواقع يقول غير ذلك .
حالنا ليست بأفضل من شعب الملايو ، بسبب أزمة العقول التي نعاني منها ، وبسبب غياب الرغبة في إيجادها ، بينما بحث الملايو عن حل لأزمة العقل المنجز ، ووجدوها ، وتحقق الإنجاز بعد أن تحولت أحوالهم من مجتمع بدائي إلى مجتمع صناعي ، بفضل التنمية التي تديرها العقول المبتكرة ، والقادرة على طرح الحلول الصعبة والمؤلمة من أجل مستقبل أكثر أمناً.
حالنا ليست بأفضل من شعب الملايو ، فقد اعتقدنا واهمين أن الحل سيأتي في نهاية خطط التنمية التسع الماضية ، لكنها مرت مرور الكرام ، ولازلنا على حالنا الاتكالية ، نستهلك موارد النفط في إشباع غرائزنا البدائية ، بينما يغط العقل في سبات طويل ، بسبب اعتقاد واهم أن الله عز وجل سخر لنا هذا ، وفضلنا على الخلق باكتشاف النفط ، وما كنا له بمقرنين ، بينما ندرك أن أطول مجاعة في التاريخ كانت تلك التي مرت على جزيرة العرب منذ خروج الخلافة منها ، وأن العقل الإداري المنجز كان خلف اكتشاف النفط في البدء..
خلاصة الأمر أننا نعاني في الوقت الراهن من أزمة عقول في الاقتصاد والتنمية ، وأننا نفتقد للعقول في مهمة إدارة المستقبل ، وأن بعض المسؤولين الحاليين غير قادرين على إخراج البلاد من اقتصاد المورد الواحد ، ولا سبيل عن أن نعترف بذلك ، ثم نتحدث فيه بوضوح وشفافية ..
اتباع هذا النهج الصريح هو بداية الحل في رحلة البحث عن عقول وطنيه منجزة في حال توفرها ، أو الاستعانة بخبرات أجنبية كما فعلت بعض الدول المجاورة ، وكما فعلنا نحن عندما استعنا بتلك الخبرات في الماضي لاكتشاف الذهب الأسود في باطن الأرض ، والله على ما أقول شهيد.