عبدالعزيز السماري
تحولت عقيدة الولاء والبراء عند متطرفي السنة والشيعة إلى وسيلة فتاكة من أجل تصفية الأعداء والمخالفين،ثم الشعور بالطمأنينة والسكينة عند إجتزاز الأعناق، ولذلك يحاول كثير من المتطرفين من الطرفين إعادة إنتاجها من أجل التبرير الشرعي للقتل والدموية الوحشية فيما بينهم، وتقوم هذه العقيدة علي مبدأ بغض وكراهية الكفار والمشركين، والإشكالية في الأمر أن كليهما يضع الآخر في موضع الكافر والمشرك، والنتيجة مثلما تشاهدون من وحشية غير مسبوقه، وقد شدتني بعض الحوارات التي لازالت تدور حول هذا الأصل، والذي يختلف عليه العلماء، لكنه له جذور في ثقافتنا المحلية.
كان هناك جدل من بعض التابعين حول شرعية القتل على الظاهر، و حول شعور المسلم بالذنب إن قتل شخصاً وهو في سريرته مسلم ومؤمن وعند الله من الصالحين، وعلى طريقة كيف أكرهه وأحبه، وقد يكون في داخل الأمر على خلاف ما هو عليه؟ بمعنى قد أعتقد أنه كافر، لكنه في حقيقة الأمر مسلم، فيأتي الرد الغريب من أئمة التطرف الديني أن الحب والبغض من الأحكام الشرعية، والأحكام الشرعية تعلق فقط بالظاهر، ولذلك كان تطبيق هذا الحكم على الأعيان مسألة اجتهادية، قد يصيب المرء فيها، وقد يخطئ خطأً مغفوراً..!!
تستخدم مرجعياتهم ما قاله ابن تيمية (ثم الناس في الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، هم أيضا مجتهدون يصيبون تارة ويخطئون تارة) الفتاوى 11/15،ويستدلون بما نبه به الإمام محمد بن الحنفية، كما رواه اللالكائي عنه حيث يقول رحمه الله (من أبغض رجلا على جور ظهر منه، وهو في علم الله من أهل الجنة؛ أجره الله كما لو كان من أهل النار). وذلك أمر في غاية الخطورة، فهم بذلك يعالجون قضية الإرهاب الديني حين يوحون للقاتل أن الله عز وجل يثيبه بالأجر، إن قتل شخصاً يعتقد بكفره، بينما هو مسلم ومن أهل الجنة، وهم بذلك يبررون الجريمة على أسس شرعية، ويغررون بهذا القول الشباب والمراهقين للإقدام على فعلها بدون الشعور بالذنب.
بمثل هذه الرؤية الغريبة، يتحول المجتمع إلى بيئة تنتشر على طرقاتها الجثث، وسيجد بعض المتهورين في ذلك مدخلا شرعيا للدموية والوحشية، وقد حدث ذلك، وسيكون في استطاعة بعض طلبة العلم الديني المنضوين تحت لواء الجهاديين توجيه هذا السلاح الفتاك إلى من يريدون، وسيقدم الشاب المغرر به على القتل الجماعي أو الفردي بدون أن يشعر بالذنب، فهو حسب هذا النهج مأجور عند الله عز وجل، وإن قتل مسلمين بالخطأ..، وفي ذلك مخالفة لما قاله الله عز وجل في محكم كتابه أن {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقوله عليه الصلاة والسلام («أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟»).
تطرقت في مقال سابق عن ضرورة تقنين الأحكام وإدخالها في صيغة قانونية، وأكدت أن جذور مسألة الإرهاب الديني هو الاجتهاد الديني الذي يقوم على الشفوية وتبرير بعض الجرائم من خلال منظور ديني له أصول في كتب السلف، فالقتل عندهم على الظاهر أمر مشروع، وإن أخطأ فله أجر، وهل هناك سبيل للفوضى والدموية أكثر من هذه الرؤية؟، هنا لا تقع المسؤلية فقط على العلماء، فالخلاف حول مشروعية القتل قائم بينهم منذ القدم، ولكن التقنين و تعريف الجريمة الجنائية هو المخرج من هذه الفوضى التشريعية.
يقوم الفكر التكفيري على مبدأ واضح وهو أن البغضاء والكراهية ركن من أركان العقيدة، وأن المؤمن الصحيح هو الذي يبغض الذين يعتقد بكفرهم ومخالفتهم له، و لعلي من الذين يجدون حرجاً في تأصيل هذا المنهج في تاريخ الإسلام الصحيح، وهل كان ذلك نهجاً ممارسا في صدر الإسلام، أم خلقته الكوارث والإحباطات السياسية بين المسلمين، ولو كان ذلك صحيحاً لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ « قالوا: « خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم». فقال عليه الصلاة والسلام: « اذهبوا فأنتم الطلقاء»، ولما قال عليه أفضل الصلوات والتسليم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وغيرها من الممارسات التي كانت تقوم على مبدأ السلم الاجتماعي، والله المستعان.