عبدالعزيز السماري
تحوَّلت قضايا تهريب وترويج وإدمان المخدرات إلى أزمة وطنية، تحتاج الكثير من الجهد من قِبل كافة تيارات المجتمع لمكافحتها، وقد وصل حجم الكارثة إلى أقصاه، وقد يُفسر كثرة رواج استعمالاتها انتشار العنف، وأيضاً الإرهاب، وكما علمت من مصادر موثقة أنها تنتشر في المجتمعات الريفية والبدوية في مختلف المناطق، وقد تأخذ طابعاً تقليدياً، وذلك لزيادة معدلات النشاط واليقظة والإقدام، على أنها دليل على المرجلة، ويحتاجها المرء ليكون مِقداماً ورجلاً لا يخاف المنايا، وتلك حالة مزيفة من الرجولة، وتؤدي إلى كوارث صحية ونفسية، وعادة ما تنتهي إلى تدمير الخلايا العصبية والانتحار أو الدخول إلى المصحات العقلية.
المقصود عند الحديث عن المخدرات، استعمال الأمفيتامين والإيفيديرن والكوكايين، والمادة المنتشرة محلياً هي حبة الكبتاجون المصنّعة في بعض الدول الإقليمية، وتتكون من مادتي الأمفيتامين والإفيدرين، وقد يصاحبهما مواد أخرى، ويتم الترويج لها في المدارس والأنشطة الاجتماعية، وكانت متداولة منذ مرحلة ما قبل النفط تحت مسميات أبو ملف أو القضوم، وانتشرت بين الطلاب وسائقي الشاحنات تحت أغراض وهمية، ومنها تعزيز النشاط من أجل التحصيل العلمي في وقت قصير.
في حقيقة الأمر لا تختلف تأثيرات الأمفيتامينات عن الكوكايين كثيراً، لكنهما يشتركان في التحول سريعاً إلى شخصية مدمنة وخطيرة، وعادة تكون مصدر جذب للعديد من متعاطي المخدرات، وذلك لقدرتها على رفع مستوى النشوة وزيادة معدلات الثقة بالنفس، ويحقق الأمفيتامينات والكوكايين هذه الآثار من خلال زيادة مستويات الدوبامين المتداولة (DA) والنورادرينالين (NE)، ولدى الكوكايين والأمفيتامينات على حد سواء العديد من الجوانب المثيرة للانتباه، وغالباً ما تؤدي إلى ضعف التحكم بالنفس والاندفاع الشديد، كما تساعد في زيادة فرط الرغبة الجنسية،، فضلاً عن الشعور بالعظمة والإقدام بالرغم من الخطر.
يتم تعريف الإدمان على الرغبة الشديدة في تناول المخدرات، بحيث يتداخل تكرار استعمالها مع رغبة تمكين الشخص على العمل بصورة طبيعية في الحياة اليومية بسبب الآثار التي تسببها المخدرات في الدماغ، ويمكن النظر إليها على أنها لعبة شد الحبل من الحرب بين قشرة الفص الجبهي (PFC)، والذي يتحكم في منطقة التفكير العليا، ومناطق الدماغ أقل، والتي تشمل منطقة السقيفية البطنية، وعادة تنشط قشرة الفص الجبهي PFC عندما يكون الشخص يمارس ضبط النفس، أو يركز على أداء مهمة في غاية الصعوبة أو الخطورة، ولهذا يتم استخدام هذه الأدوية من أجل مزيد من التنشيط لهذه المنطقة، وبالتالي تجنيدهم في الاستجابة للضغط النفسي في المواقف الخطرة جداً.
ينتشر استخدام مثل هذه المخدرات بين المحاربين، وقد استخدمت بعض الأنظمة الشمولية مثل النازية الأمفيتامينات لزيادة معدلات المغامرة والإقدام، وتم توزيعها على نطاق واسع في جميع أنحاء الرُّتب العسكرية الألمانية من قوات النخبة لأطقم الدبابات والأفراد، ولتعزيز الآثار المنشطة وللحثّ على اليقظة المطولة، كما ثبت أن الجنود من الجانبين في الحرب العالمية الثانية تناولوا كميات كبيرة من الأمفيتامينات كوسيلة لمحاربة التعب ورفع الطاقة ومعدلات التهور..
كما تظهر السجلات أيضاً أن طياري كاميكازي اليابانيين الذين تحطمت الطائرات المفخخة بهم، تناولوا جرعات كبيرة من الدواء لتحفيز روحهم الانتحارية، كما استخدمها بعض الطيارين الأمريكيين في حرب الخليج، وقد تم تدمير أجساد وعقول الجنود الذين تناولوها، بعد أن حوّلتهم إلى آلات قاتله في الحرب، وكان مصيرهم بعد انتهاء المهمة عادة، إما الانتحار أو المصحات العقلية لمعالجة الأمراض النفسية والإدمان.
ومن هنا تأتي خطورة هذه المخدرات، والتي لا أستبعد أن تستخدمها تيارات العنف لرفع مستوى التهور والانتحار عند أتباعها، وقد انتشرت مصانع حبوب الكبتاجون في سوريا ولبنان، وتُعتبر في الوقت الحاضر وقوداً كيميائياً للحروب الدموية التي تجري في تلك المناطق، والأخطر من ذلك أنه يتم استغلال بعض المدمنين، ثم إقناعهم أن الاستشهاد في سبيل الله أحد الطرق المشروعة للتوبة، وبالتالي يتحوَّل تفخيخ أجسادهم بالأحزمة الناسفة إلى وصفة جهادية لغسل آثار الخطيئة بسبب استخدام المخدرات لأغراض ترفيهية، ثم تفجيرها في الأماكن المكتظة بالسكان بدون الشعور بالذنب لحظة التفجير، ولا يمكن لأي كان أن يُفسر لي على الأقل تلك الرغبة الجنونية في تفجير الجسد والموت ما لم يكن المفجِّر تحت تأثير جرعات عالية من مخدر من نوعية الأمفيتامين.
يُذكر أن الرئيس نيكسون قاد ست سنوات من الحرب على المخدرات، وشهدت حملة نيكسون أكبر نجاح لها في عام 1970، حين أصدر الكونجرس قانوناً للمخدرات، ويُصنِّف هذا القانون المخدرات في واحدة من خمس جداول وفقاً لآثارها وإمكانية علاجها، وكان أهم ما في القانون أن كلاً من الكوكايين والأمفيتامينات تم تصنيفهما في الفئة الأخطر، وذلك لارتفاع معدلات الاعتداء والعنف من بين مستعمليهما، وهو ما يعني أنهما يمثّلان كيمياء للعنف والإجرام، ومنها تأتي خطورة استخدامهما في نشر معدلات العنف الاجتماعي والإجرامي.
تتعرض المملكة لحملة عالية من تهريب حبوب المخدرات إليها، ويتم الترويج لها في المدارس وكافة الأنشطة الدراسية، وعلى ولاة الأمور من الآباء والأمهات أن يزيدوا من وعي أبنائهم وبناتهم من خطورة تناول أي حبوب يهديها إليه أحد أصدقائه أو زملائه، فالدخول إلى مرحلة الأمان والهوس العقلي عادة ما تكون سريعة، وقد لفت نظري قانون العقوبات المقررة لجرائم المخدرات، والتي تنص على أقسى العقوبات..
ما استعصى عليَّ فهمه كان المادة الستين، والتي تنص أن للمحكمة - ولأسباب معتبرة، أو إذا ظهر لها من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة أو غير ذلك، مما يبعث على الاعتقاد بأن المتهم لن يعود إلى مخالفة أحكام هذا النظام - النزول عن الحد الأدنى من عقوبة السجن المنصوص عليها في المواد (السابعة والثلاثين) و(الثامنة والثلاثين)، و(التاسعة والثلاثين)، و(الأربعين) و(الحادية والأربعين) من هذا النظام.
كما أن للمحكمة وقف تنفيذ عقوبة السجن المحكوم بها طبقاً للمادة الثامنة والأربعين من هذا النظام للأسباب نفسها، وهو ما يعني أن بعض المروِّجين أو المهرِّبين يفلتون من العقوبة حسب تقدير شخصي للقاضي، وليس بناءً على دراسات اجتماعية وسيكولوجية منضبطة، وفي ذلك خطورة على المجتمع، وباب مشروع للإفلات من عقوبة تدمير المجتمع وتفجيره، والله المستعان.