إبراهيم عبدالله العمار
إنني أنبهر من التناقضات الظاهرية.
هذه الكلمة التي تعنيها الكلمة الإنغليزية بارادوكس Paradox، فتعني المفارقة، أي حقيقتان لكنهما متضادتان. مثلاً، لا يمكن القول إنّ فلاناً ميت وحي. هاتان لا يمكن أن تكونا حقيقتين في الوقت ذاته، بل فقط واحدة منهما يمكن أن تكون حقيقية، فالموت والحياة يستبعدان بعضهما. لا يمكن القول إنّ فلاناً داخل الغرفة وخارجها في نفس الوقت. لا يمكن القول إنّ المشروب حار وبارد في نفس الوقت. وهكذا. هذه أمثلة لتناقضات لكن أعجَب إذا رأيت التناقضات الظاهرية، أي أشياء يظهر عليها التناقض لكنها رغم ذلك حقيقية لا شك في صحتها. ماذا أقصد بالتناقضات الظاهرية؟
أتعجب إذا رأيت النمرة تحمل شبلها بفمها، بأسنانها، تمسكه برقة بتلك الأنياب التي تمزّق بها الفرائس والأعداء، الأنياب التي تقطّع الجاموس والتمساح، هي نفسها التي تمسك الشبل بحنان وحب لتحمله إلى مكانٍ آمن.
أتعجب إذا عرفت أنّ أهم عناصر الحياة ، وهو الأكسجين، والذي لا يعيش البشر ومعظم الكائنات إلاّ به، ويموتون لو حُرِموه ثوانٍ بسيطة .. نفس المادة هي التي تدمّر الخلايا الحية بعملية الأكسدة وتسبب أمراضاً مثل السرطان، حتى إنّ الله زوّد أجسامنا بمواد اسمها مضادات الأكسدة لتحمي من هذا التأثير الضار. وهو أيضاً يمكن أن يقتل خلايا السرطان في الجسم إذا وصل لها عبر الدم! التفاحة ذات الجوف الأبيض الناصع الشهي تتحوّل إلى اللون الأسود إذا تركتها، هذا بسبب عملية الأكسدة. والعملية لا تكتفي بالأحياء، فالأكسدة أيضاً تدمر الجمادات! إنّ عملية الصدأ تحصل بسببها. الأكسجين هو الذي يغذي الحرائق أيضاً، وبدونه تخمد.
سم الأفعى الذي يقتل إنساناً بالغاً بل ثوراً ضخماً، ذاك السم الزعاف الذي لا يكاد ينجو منه شيء، هو سبب النجاة إذا ما استخرِج من الحية وعالجه المختصون طبياً ليكون مصلاً مضاداً للسم، بل إنّ السم إذا أصاب الشخص بكميات بسيطة فإنّ الله سبحانه أنعم علينا بجهاز مناعة ذكي «يتعلّم»، فإذا أضعفه السم وأضرّه بتلك الكميات البسيطة استطاع أن يتعرف على السم ويعرف نقاط ضعفه فيحشد جهاز المناعة دفاعاته ويصير جاهزاً، حتى إذا أصابه مرة أخرى بكميات أكبر استطاع التصدي له، لأنه عرفه عن قرب وتعلّم بنفسه كيف يتصدى له.
هذه نماذج، وهناك الكثير غيرها ولا شك. ماذا تعرف أيضاً من التناقضات الظاهرية؟