إبراهيم عبدالله العمار
ما شأنُك والألعاب أيها الصغير؟ لماذا جُلُّ وقتك وتفكيرك وجهدك في اللعب والعبث واللهو؟
كنت أعذرك لأنك لا زلت صغيراً، لا مسؤوليات لديك، لا هموم، لا مشاغل، لكن أدركتُ أنّ هذه الأسباب أحقُّ أن تَنزع الألعاب من يدك وتعطيها الكبار!
الكبير انتقل من عالمك البريء إلى عالمٍ مليء بالمسؤوليات .. مسؤوليات العمل، والأهل، والطفل. الكبير تجده مُثقلاً بالهموم، لا يتجاوز تفكيره همَّ الإيجار وغمَّ الدَّين، نكد الخلافات وكدر العمل، متاعب الدراسة ومصاعب العلاقات، التفكير في ما كان وما يكون وما سيكون، آلام الجسد، آلام النفس، آمال النفس وطموحاتها والعوائق والإحباطات التي تسبقها لمن كان ذا همة لا يرضى إلا بالوصول للأعالي فيؤرقه ذلك، مثل قصة أبي مسلم الخرساني – على ما عُرف عنه من ظلم وسفك للدماء – لما كان صغيراً، فكان ينام فلا يرتاح على جانب، يتقلب على جنبيه كالملسوع؛ مما حدا بأمه أن تسأله ذات يوم: أيْ بني، ألا تنام؟ فقال: لا يزورني النوم بسهولة يا أماه. قالت: ولمَ؟ قال: «هِمّةٌ يا أماه .. همة تُناطح الجبال، ونفسٌ توّاقة». أصحاب الهمم لا ينامون ويدركون أنّ المشاق ستكون معيشتهم. أما أنت أيها الصغير فأي طموحات وهمومٍ وآمال لديك؟ ما هي إلا قرصة الجوع حتى تضج بالبكاء فإذا أُطعِمتَ زالت مشكلاتك ورجعتَ سعيداً!
تَرَكْنا مُحيطك المحدود الذي لا يعرف شيئاً عن خبث هذه الدنيا. تركنا دائرتك الصغيرة التي تحجب كل ما وراءها من قبائح وآلام. لقد تَوسَّعَت دائرتنا الآن وضَمَّت أشياءً لم نكن نراها من قبل.. لقد دخَلَت إلى حياتنا أخبار أمتنا التي يمزَّقها أعداؤنا في كل مكان، فما نكاد نتألم من جرح إلا ويُفتَح آخر، حتى صرنا لا ندري أجسم أمتنا مليء بالجراح التي تلتئم.. أم هو خُلِق أصلاً جرحاً والالتئام هو العارض المستنكَر!
عالم الكبار عالمٌ آخر يا صغيري .. إنها حياة التراكمات. أنت صغير فلن تمر عليك الأحداث الكثيرة، أما الكبير فقد تشبّع من أخبار الدنيا السيئة ومن المخاوف تتوالى كل حين وآخر، وكلما انطوى من عمره عِقدٌ آخر التفت إليه فرآه خليطاً من الأفراح والأتراح، ومهما حاول تجاهل المؤلمات فهي تفرض نفسها أحياناً رغماً عنه.
عالمنا لا يخلو من أنباء الأحباب الذين رحلوا، لكن أين أنتَ وذاك؟ لا تعلم إلا ما ترى. لا ترى إلا وجه والدتك ووالدك فليس العالم إلاّ هُما. ومهما كان همهما وغمهما فلن يضرك هذا شيئاً.
أعطنا ألعابك .. وعبثك .. ولهوك .. فنحن أحق بها!