إبراهيم عبدالله العمار
تَكثُر في القرآن الدعوة للتفكّر والتأمّل، وعندما يقرأ المسلم هذا يظن أنّ الأشياء التي تستحق التفكّر فقط أشياء هائلة مثل الكون والسماوات، أو كائنات كبيرة مثل الجمل أو الحوت، أو أن يتفكّر الإنسان في نفسه، لكن بعض أعجب المخلوقات ليست كبيرة بل هي من أصغر الكائنات! انتقيت معلومتين مدهشتين عن كائنات لا نلقي لها بالاً لكن تستحق التأمّل، والأولى هي بعض النباتات.
عندما تأكل اليرقة من بعض النباتات، فإنّ النبتة تفعل شيئاً عجيباً: إنها تُرسل رسالة استغاثة! جهاز الحماية هذا أعقد من العادة، فبعض النباتات لديها نظام إنذار يبهرك، وكنا نعرف أنّ النباتات تُرسل نداء الاستغاثة، ذلك أنّ النباتات إذا تغذّت عليها بعض الكائنات تُفرِز روائح ومواد لصدِّ الكائن وتنفيره، غير أنّ نظام الاستغاثة لدى نباتات مثل الذرة والتبغ والقطن أكثر تطوراً مما كنا نظن، فإذا أتت حشرة مثل دودة الذرة فإنّ تلك النبتة تفرز 12 مادة كيميائية مختلفة تتفاعل مع بعضها وتنتج رائحة فريدة. ما هي هذه الرائحة؟ تلك رائحة تجذب نوعاً من الزنابير الطفيلية يعيش على ذلك النوع بالذات من الحشرات، أي دودة الذرة! إنه نوع من التنافع المشترك الذي ينقذ كلا الاثنين، فالنبتة تنجو الآن من هذه الآفات المُهلِكة، والزنبور الطفيلي ينجو، فهناك أنواع من هذه الزنابير الطفيلية لا تستطيع التكاثر إلا إذا وضعت بيضها في جسد تلك الدودة بالذات.
الشيء الآخر الذي سنتأمّله هو الجرادة. ماذا يحصل لو لمستَ جرادة؟ لا شيء. ماذا لو لمستَها 5 مرات؟ لا شيء أيضاً. حسناً، ماذا لو دعكتَ قدمها عدّة ثوانٍ عشرات المرات في الساعة لعدة ساعات؟ تتحول إلى وحش! نعم، وجد العلماء في تجارب مصوّرة في جامعة أوكسفورد، أنك إذا أخذت فرشاة ناعمة ومسحت ببطء على قدم الجرادة 5 ثوانٍ كل دقيقة لمدة 4 ساعات، تتحول الجرادة الوديعة الخجولة إلى الجراد الكاسح السربي الذي يجتمع في جيوشٍ يأكل الأخضر واليابس ولا يَسلم من هجمته الشرهة شيء، وتفسير هذا أنّ الجراد يعيش على طعامه منفرداً، فإذا شحَّ الطعام بدأت الجرادة تجتمع مع صاحباتها بحثاً عن الطعام، حتى إذا كثروا بدأت أجسامهن تحتك ببعض ومن ذلك الشعيرات الصغيرة على ساقها، حينها يحصل ما حصل في تلك التجربة: تشعر الجرادة أنّ الازدحام اشتد وأنّ هناك شُحّاً خطِراً في الطعام، ثم على مدى بضعة أسابيع يتغير شكل ولون الجرادة 5 مرات، حيث تتشكل في هيئةٍ تتيح لها أن تتحول إلى جزء من منظومة مكوّنة من ملايين من الجراد الكاسح، وتنفض خجلها وحبها للعزلة وتصير اجتماعية، تحديداً من النوع العسكري المُجنّد، ويقدر هذا الجيش أن يقطع 160 كم في اليوم ويغطي 388 كم مربع بل أكثر!
في قوله تعالى في سورة الأعراف: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} .. انظر كيف قرن الله الطوفان (الماء الفائض القوي الذي يهلك الزرع) بشيء أضعف بكثير الجراد، وقيل: والضفادع أعجب في هذا الموضع لأنها أهون من كل شيء، لكن إذا أراد الله أن يصيّر الضفادع أضرَّ من الطوفان فَعَل، فسبحان الله، حتى أصغر وأهون خلقه نجد فيها العِبَر والعجب.