إبراهيم عبدالله العمار
في متحف العلم والتقنية في ميونيخ، لاحظتُ شيئاً.
يمتلئ المتحف بآثار كثيرة، منها آثار متعلقة بتاريخ ألمانيا العسكري، وأشهر ذلك الحرب العالمية الثانية وحرب هتلر على أوروبا. بجوار كل صورة وكل قطعة سلاح أو جزء من طائرة أو هيكل بارجة مصغّر .. تجد معلومات، مثل: «هذه الطائرة التي استخدمتها قوات النازيين للهجوم على غواصات الحلفاء».
لكن عندما رأيت صور الدمار الذي تعرّضت له ألمانيا، لاحظت شيئاً: الألمان لا يذكرون الفاعل. عندما ترى نموذجاً مصغراً لمصنع سيارات من تلك الأيام وتعلم أنه قد قُصِف وتدمّر فإنّ الألمان لا يقولون: «قصفت القوات البريطانية هذا المصنع ودمّرته»، وإنما يقولون: «دُمِّر المصنع في الحرب». ينسبون الفعل لمجهول!
أثار هذا انتباهي لأنها محاولة لكتم التدمير الذي صنعته قوات التحالف ضد ألمانيا، وكأنّ الحكومة الألمانية تقول: «هذا خطأُنا، ودفعنا ثمنه، ولن نقول ما هي الدولة التي دمّرت المصنع لأنّ الحرب في النهاية بسببنا».
هذه لا يلاحظها الكثير من الناس، لكن للغة أعظم التأثير على تشكيل الآراء وحل المشاكل (أو صنعها)، ففي هذا المثال استخدَم الألمان المعاصرون اللغة لينسبوا الدمار للحرب وليس للبريطانيين أو الروس والذين بالغوا في قصف ألمانيا آنذاك وقتلوا الأبرياء. هذه الأشياء تبدو صغيرة لكن تأثيرها كبير، ويمكن أن نستخدمها في كلامنا مع الناس. مثلاً، من الأفضل أن تبتعد عن عبارات مثل «لا مشكلة» و»لا تقلق». هذه بالغة الانتشار عند الناس، والمشكلة أنّ تلك العبارات رغم أنّ معناها الذي يقصده قائلها معنىً إيجابي إلا أنها تحوي كلمات سلبية، فعندما تقولها يفكر الشخص لا شعورياً وبشكلٍ سريع يفرضه عليه عقله في تلك الكلمات السلبية، عندما تقول «لا تقلق» فأنت مقصدك أن تقول «اطمئن»، لكن عقله آلياً يفكر في القلق أولاً، وعندما تقول «لا مشكلة» فإنّ المخ فوراً يلاحظ كلمة «مشكلة». ابتعد عن مثل تلك الكلمات واستبدلها بكلمات إيجابية. مثلاً، بدلاً من «لا تقلق» قل «اطمئن»، وبدلاً من «لا مشكلة» قل «ارتح» أو «طيب»، وهكذا.
أيضاً من الكلمات المنتشرة هي كلمة «أخاف» في غير موضعها. مثلاً: «أريد أن أذهب للمحل الفلاني لكن أخاف أن يكون مغلقاً للصلاة»، أو يقول لك صديقك: «أريد أن نذهب لزيارة فلان لكن أخاف أن لا يكون موجوداً». ليس المقصود هو الخوف وإنما هي كلمة شاعت. ابتعد عن هذه، فهي تضفي بعض السلبية اللاشعورية على الكلام، وتستطيع أن تقول: «أريد أن أذهب للمحل لكن أتمنى أن لا يكون مغلقاً»، أو: «أريد أن نزور فلاناً لكن ربما لا يكون موجوداً».
هذا بابٌ واسع وتلك مجرد أمثلة، وهناك الكثير من العبارات والكلمات التي يَحسُن وضع غيرها مكانها، والمبدأ واضح الآن، فاستخدم اللغة بحكمة.