إبراهيم عبدالله العمار
إنه من أعجب الأعاجيب.. «الثقب الأسود».. شيء يبدو كأنه استوحي من رواية خيال علمي، لكنه حقيقي. وعلى ذِكر الخيال العلمي فإن الثقوب السوداء أضحت جزءًا لا يتجزأ من ذاك العالم، ظهرت في خمسينات القرن الميلادي الماضي في الرواية وما زال الثقب الأسود إلى اليوم يثير الخيال ويبث في العقل أسئلة كثيرة، أبرزها: ماذا يحدث لمن يدخل ثقبًا أسود؟
أولاً لنعرف ما هو: الثقب الأسود هو نجم ضخم منهار. لكل نجم عمر، وإذا وصل النجم لنهاية عمره فبدلاً من أن ينفجر فإنه ينهار للداخل ويتهاوى على نفسه. بدلاً من كتلة كبيرة من الحرارة والضوء يصير جسمًا ضئيلاً أسود يمتص كل شيء بما في ذلك أشعة الضوء.
الثقوب السوداء ليست ثقوبًا فارغة كما يوحي الاسم، بل بالعكس: الثقب الأسود أشد مادة كتلة في الكون. تتنبأ نظرية النسبية العامة أن الجُرْم إذا تحول لثقب أسود فإنه سيصل إلى درجة كثافة غير نهائية، لكن ها هنا تنتهي قدرة الفيزياء التقليدية على التنبؤ، فلا أحد يعلم بعد هذه النقطة ما يحصل داخل الثقب الأسود، إن هي إلا تخرصات. الشيء الذي نعرفه عنه هو ما يسمى نصف قُطْر شفارتزشيلد، وهي نقطة اللا عودة، فإذا وصلت إلى هذه المنطقة سحبتك جاذبية الثقب الأسود الهائلة وصار الهروب مستحيلاً.
وعن مركز الثقب الأسود يقول عالم الفيزياء الأمريكي كيب ثورن: «في هذا المكان.. تتحطم قوانين الفيزياء». مركز الثقب الأسود تحصل فيه أشياء تخالف ليس المنطق فقط بل حتى القوانين الفيزيائية تضطرب وتحتار.. ويقف العلماء يحكون رؤوسهم بحيرة محاولين إيجاد تفسير علمي يتناغم مع بقية القوانين. مثلاً، في مركز الثقب الأسود بؤرة لا متناهية في الصِّغر ولا متناهية في الكتلة.. صغيرة جدًا جدًا.. أصغر من الذرة. لنعرف حجم الذرة يكفينا أن نعرف أن حبة الرمل تحوي 50 مليار مليار ذرة. لكن في الثقب الأسود فهذا الحجم شبه المعدوم لا يتلاءم مع حجمه.. فتتوقع أن يكون خفيفًا شبه مختف.. لكنه عظيم الكتلة.. حتى إنها تكاد تكون لا نهاية لها.
ما هو دوره؟ هل له وظيفة؟ يظن علماء الفيزياء أن الثقوب السوداء هي التي تمسك المجرات، وأن في قلب كل مجرة ثقب أسود هائل يجعل مجموعاتها الشمسية متماسكة، ومنها مجرتنا درب التبانة التي تحوي ثقبًا أسود يبعد عنا 30 ألف سنة ضوئية وله كتلة أعظم 30 مليون مرة من كتلة الشمس.
أخيرًا.. السؤال الهام: ماذا يحدث لو أن إنسانًا امتصه ثقب أسود؟ كثر التنبّؤ في هذا، وأتى البعض بنظريات مشوّقة مثل أن الثقب الأسود هو بوابة لبُعْدٍ آخر.. عالم آخر، وأن من يدخل الثقب الأسود يخرج من كوننا إلى كونٍ جديد ربما له قوانين فيزيائية أخرى ومخلوقات جديدة! أما أقرب التنبؤات للواقع فتقول إن الإنسان يتمزق بسبب قوة الجذب الهائلة للثقب الأسود التي لا تسمح حتى للضوء أن ينجو، لكن لو كان له إلا يموت فورًا فسيحصل التالي: يقترب هذا الإنسان من سرعة الضوء بسبب الجذب الجبار، وإذا طرتَ بسرعة الضوء هكذا يبطئ الزمن لك، وترى المزيد من عجائب الزمن، فالأشياء التي يسحبها الثقب الأسود أمامك تمر بتوسّع زمني أعظم، فإذا رأيت أمامك نحو الثقب رأيتَ كل جسم امتصه الثقب منذ بدء الكون، وإذا التفتّ وراءك رأيتَ كل شيء سيجذبه الثقب في المستقبل البعيد.. باختصار الزمن يوشك يتوقف هناك ويكاد يستوى الماضي والحاضر والمستقبل!