د. فهد صالح عبدالله السلطان
المتتبع لتطور الحضارة البشرية بوجه عام، والاقتصادية على وجه الخصوص يُلاحظ أن العالم انتقل من العصر الزراعي إلى العصر الصناعي، ثم التقني، فعصر العولمة، وأخيراً ما يُمكن تسميته بالمصطلح الاقتصادي باقتصاد المعرفة (knowledge - based economy) أو الاقتصاد الخلاَّق (Creative economy).
لقد أثبتت الأحداث ما تنبأ به ونستون تشرشل في منتصف الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي من سيطرة الاقتصاد الإبداعي في القادم من الزمن، عندما ذكر «أن إمبرطورية المستقبل ستكون إمبرطورية الفكر».
تُؤكد الدلائل الإحصائية أن أكبر وأكثر الأعمال التجارية تطوراً في العشر سنوات الماضية كانت من نصيب الأعمال الإبداعية والمبادرات الخلاّقة.. مايكرو سوفت، قوقل، أبل، سامسونق جلاكسي، ليست إلا أمثلة قليلة من أنشطة نشأت من مبادرين محدودي الإمكانات المادية، لكنهم أغنياء الفكر والإبداع.
حالياً يبلغ حجم الاقتصاد العالمي 70.4 ترليون دولار يمثّل الاقتصاد الخلاّق منه 6.1 %، ويُوظف 144.4 مليون عامل، على الرغم من قصر عمره مقارنة بالاقتصاد التقليدي الذي يعود بناؤه إلى ملايين السنين.. وتفيد الدلائل الإحصائية أيضاً أن تجارة المنتجات والخدمات الناتجة عن الاقتصاد الخلاّق تُعد أسرع القطاعات الاقتصادية العالمية نمواً، حيث تضاعفت خلال عشر سنوات (2001- 2011) لتصل إلى 624 بليون دولار.. نصيب الدول النامية منها 12.1% فقط.
الاقتصاد الإبداعي هو الذي مكَّن ستة هنود من قيادة أقوى شركات التقنية الأمريكية في العالم.. فمن بانقا رئيساً تنفيذياً لماستر كارد، مروراً بـ كريشيا مارثي رئيساً تنفيذياً لببسي، وناراين بقيادة أدوب سيستم، ود. سوزا بقيادة كوقنازانت، إلى ناديللا كرئيس تنفيذي لمايكروسوفت، وأخيراً بتشي الذي تم تعيينه الأسبوع الماضي رئيساً تنفيذياً لقوقل براتب سنوي يبلغ 50 مليون دولار يتوقع أن يتم رفعها في نهاية العام إلى مائة مليون دولار.. أي براتب شهري يبلغ 31 مليون ريال سعودي!!
هذه بيئة العمل الخلاّقة التي تستوعب المبدعين وتنتج الإبداع وتخلق الفرص.
كل ما أتمناه أن نعمل معاً حكومة (بتبني السياسات التي تدعم ذلك)، ومواطنين (بالانعتاق من الفكر التقليدي في العمل والتجارة) على تهيئة المجتمع ككل وبيئة العمل على وجه الخصوص للتركيز على ميدان الاقتصاد الحديث، اقتصاد المعرفة والإبداع والفكر.. حانَ الوقت لنتحرك مما يعرف بالمحيط الأحمر إلى المحيط الأزرق.!!! الشيء الواضح أن المستقبل الاقتصادي سيكون من نصيب الأعمال الفكرية الإبداعية، وسيحصد المتميزيون والمبادرون (مجتمعات وأفراداً) السبق في ماراثون الاقتصاد.
والله الهادي إلى سواء السبيل.