حمد بن عبدالله القاضي
كدّر خاطري قبل عدة ليالي صديق عزيز عندما روى واقعة شهدها في جلسة أحد رجال الأعمال.
يقول الصديق عندما كنا جالسين في الاستراحة كعادتنا مساء كل خميس وإذا برجل عليه سمة الحياء يدخل علينا ويتجه للداعي صاحب الاستراحة ويعانقه، وعرفنا من خلال حديثهما أن بينهما علاقة منذ الصغر ودرسا معاً حتى المرحلة الابتدائية ثم تفرقت بينهما السبل، ثم رأينا هذا الرجل يتحدث بصوت خفيض لزميلة رجل الأعمال كاشفاً عن سوء وضعه المادي، وحاجته إلى أن يقرضه، أو يساعده بحكم علاقته ودالته عليه وتوقعنا أن داعينا صاحب الاستراحة سيستجيب له ويفك كربته وفاءً لعلاقة قديمة وكسباً للأجر، ولكن صدر منه ما لم نتوقعه: حتى تضايق الحضور وكانوا يتمنون لو استمعوا من داعيهم أي شيء سوى هذه الكلمة، لقد قال لزميله القديم عبارة كلها قسوة وبعد عن الشهامة: «رح عنا لا تنكد علينا سهرتنا».. وما درى -يقول راوي الواقعة- إنه هو الذي نكّد سهرتنا.
لقد أوجعني أنا الآخر هذا الرد المتجرد من كل نبل وخلق ومراعاة لظروف زميل له جاء له يظن أن لديه شيئاً من شهامة، وما درى أن «الفلوس تغيرّ بعض النفوس»..!.
أنا وصديقي الذي روى الواقعة لم نتألم أنه لم يعطه شيئاً لكن تألمنا من أحجار الكلمة التي ألقاها على مسامع زميله الفاضل الذي زاره متوقعاً أنه سيقابله بالبشر والوفاء لزمالة وعلاقة قديمة قبل أن «ينتفش» «ريش» زميله.
إنه من الممكن ان يعتذر منه بلطف ويرده رداً كريماً لكن أن ينهره بهذه القسوة وهو الذي قرأ بالقرآن الكريم «وأما السائل فلا تنهر».
ألم يدر أن الجبار الذي أغناه قادر أن يفقره أو يسلب ماله أو يحرمه راحة البال والاستمتاع بما أعطاه!
= 2=
الثقافة كمشروع قيم وخطاب تنوير
أي مجتمع لديه ثقافة صلبة تستطيع أن تقف سداً أمام اختراق نسيجه الاجتماعي أو التشكيك بانتمائه ولو حصل التأثير على أفراد، فإنه يبقى أثراً محدوداً لا ينسحب على المجتمع ككل!.
إنك قد تجمع الناس في بناء واحد، أو في موقع واحد لكن إذا لم يكن لديهم ثقافة مشتركة، مؤسّسةٍ على ثوابتهم الوطنية والدينية فإنها لا تستطيع أن تخلق نسيجاً اجتماعياً واحداً.
وسوف أضرب مثلاً على ذلك كثيراً ما يجتمع عدد من السعوديين في مجلس واحد، نجد أحداً منهم من شرق المملكة والآخر من غربها وثالث من وسطها ورابع من جنوبها وتكاد وأنت معهم لا تفرّق بين أحد منهم فكلهم ينتمون إليه دين واحد وراية واحدة.
سأضرب مثلاً حياً شاهده وسمع به عدد كبير من المواطنين ففي مجلس الملك سلمان -حفظه الله- كلما اجتمع في مجلسه مواطنون من مختلف أرجاء المملكة وعندما يتطلع إليهم ويجد التناغم بينهم يقول رعاه الله: (هذه وحدة المملكة التي يمثّلها هذا المجلس).
-(ثقافة المجتمع) بفضاءاتها الدينية والوطنية هي أحد العوامل المهمة التي تستطيع أن تراهنَ عليها الأمم في بقائها ونمائها، وبقدر اتّسام هذه الثقافة بالارتكاز على ثوابتها، وإعلاء القيم والأخذ بخطابات التنوير والتجديد وبكل ذلك يترسخ الإنتماء للوطن ومن ثمّ العطاء من أجله وبسط مظلة المحبة على قلوب أبنائه.
وتبقى رسالتنا المستدامة: الحفاظ على بنائنا الوحدوي وصيانة وتقوية انتمائنا الوطني ونسيجنا الاجتماعي والثقافي.
=3=
آخر الجداول
بيتان يتدفقان إنسانية للشاعر المهجري إلياس أبو شبكة الذي كان يسمع صياح طفلته والجراح يجري لها العملية:
رفقاً بها يا مبضع الجراح
إن زدت إيلاماً فضحتَ توجعي
أدميتَ قلب الوالد الملتاح
وجمعتَ بين صياحها وصياح