عبدالحفيظ الشمري
مع انحسار حالات المجاعة والفاقة والعوز في بلادنا -بحمد الله- بات الغذاء حالة نوعية كثيفة في حياتنا اليومية التي يجدر بنا ترشيدها، والعمل على جعلها سلوكاً حضارياً يتبعه الجميع، ليكون هذا الغذاء مصدر عطاء وخير، وحافز لخدمة الإنسان وتكوينه القويم، وأن لا تكون حالة تستدعي التخمة والأمراض، والسلوك غير السوي، والتفكير أولاً وأخيراً بأن هناك شعوباً في أطراف من الأرض تعاني الفقر، والجفاف، والمجاعة.
فالمفارقة المؤلمة في ظاهرة الغذاء في العصر الحديث أن هناك من يموت تخمة، وآخر يتضور جوعاً، والعامل المشترك بينهما سوء التنظيم، وقلة التدبير لهذه الأطعمة والأغذية التي تتوفر أو تشح لدى هذه المجتمعات، أو ترد إليها من بلاد مختلفة.. فالمفارقة هنا تحتاج إلى تدبر، وتحرك نحو الأفضل، من أجل بناء وعي غذائي سليم، ينعكس على الجميع.
فالوعي الغذائي يتمثل في تطبيق كل ما هو مفيد وناجح في آداب الطعام والشراب، فلنا في كتاب الله، وسنة رسوله، والصحابة، والسلف الصالح من بعدهم الأثر الكبير في تطبيق معايير الغذاء والطعام بطريقة مفيدة ونافعة، من أجل أن يكون عامل بناء للإنسان، وصحته ونموه، وسلامة بدنه وعقله.
أمر آخر قد يسهم في بناء هذا الوعي الغذائي يتمثل في حقيقة أن الداء والمرض غالباً ما يحضر سريعاً في عشوائية توافر الغذاء، وكثرته، والإسراف هذه الأيام في تناوله.. حتى أنك لتعجب حينما تتأمل من تصيبهم الأمراض أنهم غالباً ما يعانون من آلام المعدة، أو كما يقال عنها علمياً «بيت الداء».. فهناك اختلال في مفاهيم تناول الغذاء، والإفراط فيه، واستهلاك الأطعمة بطريقة خاطئة، جعلتهم يبلغون هذه المرحلة المخيفة من التخمة والسمنة ومن ثم الأمراض.
فالإسراف في تناول الأطعمة، وتوفير الغذاء وتكديسه يعد حالة من حالات الانتحار، أو السعي إلى مرحلة ما من مراحل الموت، أما وأن أدركت قيمة الغذاء وأهدافه، وعرفت أن الغذاء هو وسيلة للحياة لا غاية فيها، فإن أجمل ما يزهو به الإنسان حينما يكون رشيقاً، ويعيش على الكفاف والاعتدال، لتجد أن الصحة حققت هدفها الجميل، فأصبح شبه خال من الأمراض العصرية التي لا تأتي عادة إلى من وراء تكديس الغذاء، وممارسة العادات السيئة في تناوله.
أما نحن أبناء الجزيرة العربية فإنه يعرف عنا إجمالاً أننا مخضرمون، وعشنا حالتي الجوع والشبع في غضون عقود قليلة، لنخرج من سنوات الجوع والضما إلى سنوات الشبع والارتواء، إلا أننا نحتاج إلى مزيد من التنظيم والسلوك الغذائي القويم، وأن نستعيد تلك الصور الجميلة لحياة الماضي حينما يصعب عليك أن ترى أو تجد البُدَنَاء، أو منهم غارقون بالسمنة!.
أما مرحلة الطفولة في العصر الحديث فإنها الأخطر، إذ إن إحصاءات السمنة مخيفة، وتزداد في كل يوم، وربما أفدحها وأكثرها خطراً هي سمنة الأطفال التي تعد حالة نوعية تستوقف الباحثين والدارسين.. فمن المتأثر بها؟ ومن هو المتسبب؟ ولماذا لا تسن قوانين صارمة تمنع مثل هذه الممارسات، على نحو قوانين ولوائح الاتحاد الأوروبي وأمريكا واليابان في مجال الغذاء والدواء.
فقد أصبحت لدينا -للأسف- من قبيل التجارة والبيع والشراء في الأطعمة؟ حتى باتت الأغذية سلعة سهلة ورائجة، وهناك من يسعى إلى جعلها بلا قيود أو ضوابط؛ بحجة «السوق المفتوح» و»تحرير التجارة» وما إلى ذلك من إدعاءات وممارسات قد تكون جريمة نكراء إذا ما اتصلت بالدواء والغذاء وحياة الإنسان ولا سيما الطفل.