عبدالحفيظ الشمري
حينما نقرأ أو نسمع عن «رعاية الشباب» يتبادر إلى الذهن أولاً صورة نمطية لإدارة خدمية ترعى شأن الشباب، عرفت ولا تزال بـ»الرئاسة العامة لرعاية الشباب»، فهي التي تعنى بكل ما يتعلق بالشباب اجتماعياً وثقافياً ورياضياً، إلا أن هذه النمطية لا تزال كما هي.. فيتواتر إلى الذهن أن أي عمل يخص الشباب تعنى به رعاية الشباب وحسب، في وقت يغيب أي تعريف موسع للعمل الشبابي، ولا يعتمد رؤية تفاعلية تحقق الأهداف المرجوة من هذه الأعمال التي تصب في مصلحة الشباب.
فرعاية الشباب - كما أسلفنا - لا تعني جهة معينة، إنما هو عمل إنساني منظم، له منطلقاته وتوجهاته، ويستهدف فئة من المجتمع، بل شريحة مهمة وكبيرة تقدر بنحو 60 بالمائة أو أكثر من المجتمع، فيتطلب من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الخدمية التي يفترض فيها رعاية هؤلاء أن تنهض نحو تطلعاتهم، وتهتم بمطالبهم، وتعتني بكل مجالاتهم الخدمية والترفيهية والبدنية والفكرية.
أما وإن عُدنا إلى تأمل الأعمال المتعلقة برعاية الشباب، فلا بد لنا أن نتوقف أمام تجربة الرئاسة العامة لرعاية الشباب حينما انطلقت من رحم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل أربعة عقود، فكانت - آنذاك - خطوة مميزة في مجال رعاية الشباب وشؤونهم، رعاها الأمير الراحل فيصل بن فهد، فظلت عيناً على العمل الاجتماعي بما فيه الشباب والرياضة، وأخرى على العمل الثقافي، فلم تتخل الرئاسة في عهده - رحمه الله - عن كل ما له علاقة بالفنون والتراث والثقافة، فكانت الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون ومعارض الفن التشكيلي والمسرح والمسابقات الشبابية في أوج عطائها.
وما أن تخلت الرئاسة عن هذه الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية لجهات أخرى إلا وتدخل هذه البرامج في نفق من التراخي والوهن، فصار الجميع يتمنى عودة هذه الأنشطة إلى رعاية الشباب، لعل أن يعود وهجها من جديد، وخير مثال ما يحصل الآن لجمعية الثقافة والفنون التي سجلت تراجعاً كبيراً في أنشطتها، على نحو تهالك الأنشطة وابتعاد المثقفين والتراثيين والفنانين والمبدعين عنها.. بل هي التي ابتعدت عنهم، وانشغلت بأمور عادية، ولم توفق بطواقم إدارية متخصصة في المجال الفني والتراثي، وما يقال عن الجمعية يمكن أن ينسحب على الأندية الأدبية التي لا شك أن عهد وجودها في رعاية الشباب أفضل بكثير مما هي عليه الآن.
فما يلاحظ على رعاية الشباب وحينما تخلت عن فكرة العمل الثقافي والاجتماعي أنها اتجهت للعمل الرياضي وحسب، في وقت كانت هذه المؤسسة الجريئة والنابهة تمسك بزمام المبادرة في كل ما يشجع الشباب على ارتياد المنافسات الكبيرة، فمثلما كانوا يحققون أرقاماً وكؤوس وميداليات رياضية فإنهم برعوا بالمشاركة ثقافياً وفنياً، وتعريفاً بالتراث والقيم الحضارية لبلادنا، فرغم أنه واجب يقومون به إلا أنه من الإنصاف ذكر تميز رعاية الشباب في هذا المجال.
وما قد يعيد دور رعاية الشباب في خدمة المجتمع وفئة النشء أن يُفَعَّل النشاط الذي نراه مكتوباً في شعار كل نادٍ رياضي وهو ثلاثي مهم (رياضي اجتماعي ثقافي).. فالأندية الرياضية مدعوة أن تقوم بدورها الإنساني والاجتماعي والحضاري من أجل أن تتحقق في هذا السياق معادلة المتعة الرياضية والفائدة الفكرية.
أمر أخير يجب التنويه عنه، وهو ضرورة تطوير مشروع «التطوع» خدمة للمجتمع.. وما يتحصل ذلك إلا من خلال تفعيل دور الشباب من خلال الأندية الرياضية وأنشطتها المتعددة، لأن مشروع التطوع أصبح حالة ملحة هذه الأيام، من أجل خدمة وطننا، وتلبية لنداء الواجب الديني والإنساني.