عبد الرحمن بن محمد السدحان
- المسلمون، ومثلُهم العرب، يشهُدون اليوم مواجهة شرسةً تمسّهم هُويةً وسياسةً واقتصاداً وثقافةً، بعض هذه الهجمات تسجل
(ضد مجهول) في ذاكرة الزمن، والبعض الآخر يُعلّق الانتقاد على أكثر من (شماعة)، بدْءاً بالتاريخ والجغرافيا، وانتهاءً بأعداء من الأمس واليوم، والناس من هَوْل هذا وذاك، منقسمو العقل والرأي والوجدان!
***
- والمسلمون ومثلُهم العرب، وتحديداً منذ كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م، يحُاكَمَون عشوائياً، ويُدانُون غيابياً من لدن (آخرين) لا يتمّنون لهم خيراً، ولا يضمرون لهم وداً، مستشهدين في ذلك ببعض السلوكيات والممارسات التي يقترفها بعضُ المسلمين أو العرب هنا أو هناك ممّا لا يقرّه شرعٌ، ولا تزكّيه أخلاق.
***
- والعقلاءُ من المسلمين، ومثلّهم العرب، ينكرون الممارسات المؤسفة وغير المسؤولة خاصة تلك التي تشهدها بعض البلدان ذات الهوية الإسلامية، ويذهب ضحيتها أبرياء من النساء والرجال والأطفال، تارةً باسم (الجهاد) ضد (قوى الشيطان) وأخرى، ابتغاء مآرب من السطوة والسلطان!
***
- ولا ريب أن أفعالاً كهذه تفرز قدراً لا حصرَ له من المساوئ على المسلمين والعرب سواء! فتُؤاخذ الكثرةُ البريئة بما تفعله القلة الفاسدة، وهي في خاتمة المطاف، ترسم صورة غير حميدة عن الإسلام الحنيف، الذي جعله الله سيّدَ الأديان، وأودعه من المبادئ والمثل العليا ما يزْكُو بها الإنسان السويّ ويتزكّى، فهو صيغة حياة، معاشاً ومعاداً، وليس طقُوساً مفرّغةً من مضامين الوجود، بما فيه ومن فيه!
***
- أمام هذا الأمر كله، لم يعدْ غريباً أن تظهر أحياناً في بعض أوساط الغرب نزعاتٌ أو نزغاتٌ ضد الإسلام، دينا وأتبْاعا، تأتي (ردودَ فعلٍ) لحدَثٍ أو تطوّر معّين، بعضها يُفتعل افتعالاً إلى حد الغلوَّ، من لدن أفراد وجماعات يشكّلون تياراً يصنف المسلمين ودينهّم ظلماً وافتراءً بالعَدَاء لمنجزاتِ الإنسان الحديث.. مما ينْفعُ منها ولا يضر!
***
« نعم.. هناك المتربّصُون بالإسلام وأهله في أكثر من مكان، ويزداد الأمر عُسْراً حين يتحوّل المسلمُ إلى عدوَّ لنفسه، من حيث يدري أو لا يدري، فيأتي من الأقوال والأفعال غير المسؤولة ما قد يستثمره أعداؤُه سلاحاً ضده، أو حين يُصرّ هو على (إسقاط) عثراته على الآخرين معتمراً قبّعة (المؤامرة) اعتماداً على موروث الاختلاف التاريخي معه هنا أو هناك، وهذا في تقديري خطأ فادح، وبلاء مبين!
***
- وعندي أن توظيف وتعميم فكرة (المؤامرة) من لدن بعض المسلمين، ومثلُهم العرب، في بعض المواقع والمواقف على النحو المشار إليه، أشدُّ خطراً وألدُّ إيذَاءً مما يضمْرُه أعداءُ الفريقين أنفسُهم، لسبب يسير هو أن بعض (المواقف المعادية) للمسلمين، عرباً وغير عرب، هي في الأصل نبتْةُ الجهل بهم، وقصورُهم هم في التعريف بدينهم، مبدأ وممارسةً تعريفاً يتجاوز القشورَ إلى الجوهر والمعنى الذي قام عليه هذا الدين الحنيف، وبه شاع وذاع حتى بين أقوام لا يؤمنون به أصلاً ولا ينتمون إليه، وفي يقيني أنه يمكن ترويضُ تلك المواقف لصالح المسلمين ودينهم عبر الحوار، وعبر الممارسة الوسطية السويّة لمقاصد الإسلام الحنيف ومبادئه، داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها، وتجنُّبِ الضارّ من الأقوال والأفعال ممّا قد يشكل سلاحاً مرتداً ضد ديننا السامي، هوية واتباعاً!
***
وقبل الوداع:
- بكل الحب والتقدير، اعتذر لمتابعي هذه الزاوية من القراء الكرام لغيابي الاضطراري والطويل عنهم، فقد أرغمتني ظروف المرض إلى الانسحاب المؤقت من ساحة الحرف الجميل مدة تقرب من الثلاثة الأشهر أمضيتها بين السرير الأبيض في تخصصي الرياض، والنقاهة والاستجمام بعد ذلك، وكانت تجربة مضنية بالألم، مفعمة بالإيمان بالله، ومترعة بالتفاؤل حتى رسوت على شاطئ الشفاء شبه الكامل، والحمد لله من قبل ومن بعد.