عبد الرحمن بن محمد السدحان
- هذه (حكاية) أملاها الخيال، أسوقها للعبرة، إيماناً بأن الواقع المعاش يضمّ ما قد يفوق الوصف حقيقةً لا خيالاً!
* * *
- هو صديق ومسئول سابق جمعتنا الصدفة بادئ الأمر ذات يوم على صراطها، وتكرر اللقاء غير مرة ثم افترقنا، وبقيتُ أكنُّ له عن بعد بعضاً من ود، وشيئاً من تَوْق لرؤيته كرةً أخرى.
* * *
- أمّا هو فقد ألهته همومُ نفسه وطقوسُ المنصب ملاحقةً لطموحاته المهنية حتى غدا له شأن، وكنتُ بذلك سعيداً، وفرحاً له وبه.
* * *
- وتتعاقبُ الأيام، فيزدادُ صاحبُنا علوّاً ونفوذاً، وتتبدل أحواله، فلا يعود يعَبأُ برفاق الأمس، أو يعيرُهم اهتماماً، صار يَفتعلُ الصمتَ، فلا يتحدث إلاّ لمالماً، وإذا ابتسم فابتسامة الليث التي حذر منها أبو الطيب المتنبي ذات يوم !
* * *
- جعلتُ أُبدي لنفسي وأُعيدُ في أمر هذا الرجل، فلا أزدادُ إلاّ حيرةً وعجَباً، حاولت مرةً زيارته في مكتبه، فصُدْدتُ عن ذلك صداً لا جمال فيه، وكَتبتُ له أكثرَ من مرة حول أمور ذات اهتمام مشترك، فكان نصيبي الغفلةَ ! بَخِل عليّ حتى بالردّ ولو بكلمة !
* * *
- قررت أخيراً أن أعاتبه برسالة شكوى إلى نفسه، شرعت في إنشاء الرسالة لذلك الغرض، والحيرة تحاصرني، رغم أنني لم أتوقع منه ودّاً ولا ردّاً ! فقد أصبح بالنسبة لي جزْءاً من (تركة) الذكريات!
* * *
- لكنني شقيت بخاطري نحوه، ولا بد لي من البوح به، إنهاء لحيرتي، وعقدتُ العزم على إكمال رسالتي إليه، لكنني لم أرسلها له، لأنني كنت أعلمُ علمَ اليقين، أن مصيرَها الوأدُ، والخسْرانُ، وفضلت أن أشركَ قرائي الكرام في مشروع هذه الرسالة تلاوةً وتأملاً، لأنني أدرك أن صاحبي لم ولن يكونَ وحيدَ زمانه، هناك كثيرون أغوتهم فتنةُ المنصب، وأغرتهم نشوة النفوذ، فانقلبوا على أصحاب الأمس ناكرين أو متنكرين أو مستنكرين، نسوا أن نعمة المنصب كسائر النعم لا تدوم، وأنه لا يشفع للمرء فـي ضعفه أو هرمه أو بعد رحيله عن هذه الدنيا سوى البر والإحسان، والكَلِم الطيب !
* * *
وبعد:
- فقد كتبت لصاحب الأمس جَارِ الخيال السطور التالية، أتركها بين يدي القارئ الكريم أمانةً وعبرةً وتذكيراً، فقلت:
- ما كنت أتوقع أن أكتب لك اليوم معاتباً، وما كنتُ أحسبُ أنه سيطرأ في يوم من الأيام سببٌ للعتاب! كنت أتمنَّى أن أنقل لك عتابي هذا سمعاً لا كتابةً، لكن الحيرة أخرست لساني، فتعطلت معه لغة الكلام، وآثرتُ الكتابةَ إكراماً لما بقي في نفسي لك من ود لم أخنه، وعهد لم أنكره، أو أتنكر له، وأرجو أن تجد هذه الكلمات فـي واحة حلمك متسعاً تستريح فيه، بعد أن ذاقت مرارة الأسر فـي خاطري زمناً طويلاً!
- لا أدري ماذا حدث من أمري معك حتى أصبحتُ نكرةً لا تستحق الرد الجميل! هل تغيرتَ أنت أم اختطفك المنصبُ أم جار الزمن على ذاكرتك فنسيت كل شيء، أم هي طقوس العمل وتكاليفه، فلم تعد تملك من وقتك ذرةً تتذكر من خلالها رفيقاً لم يزل يكنُّ لك الكثير من الود، رغم الجفوة التي فرضْتَها أنت أو فرضتْها عليك ظروف لا حول لك عليها ولا طول، أتيتُ مرة إلى مقر عملك طامعاً فـي لقاء، فرُددْتُ رداً شبه جميل بحجة انشغالك بالعمل، وكنتُ أتمنّى أن يرد الصدى منك أنت لا من سواك! لن أطيل عليك، فوقتك أغنى واقنى من أن تنفقه في قراءة رسالة عتاب من إنسان يظن انه لم يزل صديقاً لك، وتحسبه اليوم نسياً منسيا!! والسلام عليك!