إبراهيم عبدالله العمار
رأيتُ ذات مرة رجلاً عُرِف بالهدوء وقد انتقده شخص، وما هو إلا قليل حتى ظهرت عليه أمارات الغضب وارتفع صوته ودافع عن نفسه ضد كلام الآخر.
كان مشهداً لم أتوقعه، فقد كنت أظنه سهلاً أن يتمالك المرء نفسه حتى في المواقف المُسخِطة، لكن مرور الزمن أثبت لي أن المسألة ليست بهذه السهولة، وأن الشخصنة – أي أن تكون المسألة شخصية لك – يغير كل شيء.
ذلك الرجل اتُّهِم بالتقصير في عمله (وهو اتهام ظالم)، وكان هذا كافياً ليغير مزاجه وتصرفه تماماً. لو أنّ ذاك الرجل رأى الموقف يحصل لغيره لما شعر بالغضب، ولربما ظن المتهَم يبالغ في ردة الفعل!
تسمع بالانتقاد. تسمع أنّ فلاناً انتقده أحدهم لشيءٍ ما، وأن فلانة انتقدتها أخرى لسببٍ ما. قد ينتقَد فنُّ الرسّام وبلاغة الخطيب وشعر الشاعر. قد ينتقَد أسلوب المذيع أو عمل الموظف أو تصميم المصمم. إذا سمعتَ بها لم تعنِ لك شيئاً كثيراً. لكنها لهم ذات معنى.
الإنسان لا يتأثر كثيراً إلا إذا كان لنفسه نصيب من الأمر، أو عاشه بنفسه. في الغالب، من يسمع بُشرى لغيره فلن يفرح كما يفرح ببشرى لنفسه. من يسمع تجريحاً فلن يتضايق بنفس قدر ضيقه بهجوم عليه.
طبّق العلماء تجربة أثبتت أن الإنسان لا يتأثر بتصرفات مليون إنسان، ولكن يتأثر بتصرف شخص واحد يراه بنفسه. هذه التجربة مصداق أنّ الخبر ليس كالمعاينة، والناس لا يتأثرون أو يتعلمون كثيراً من الإحصائيات والعموميات. مثلاً: لو قلتَ لشخص إنّ عدداً كبيراً من الناس لن يساعدوا شخصاً يحتاج المساعدة لأنهم يظنون أنّ غيرهم سيهب للمساعدة .. فلن يصدق. لكن لو أريته بعينيه شخصاً أو شخصين وأخبرته أنهما لم يقوما للمساعدة فسيصدق، ومن ثم يستنتج أنّ الكثير من الناس سيفعلون نفس الشيء. باختصار: لا يرغب الناس أن يطبقوا الحقائق العامة على الحالات الفردية، لكنهم فوراً يستطيعون تعميم الحالات الفردية على عامة الناس.
حتى لو صدّق الناس إحصائية أو معلومة عامة فلن يؤثر هذا على تصرفاتهم ولن يغير قناعاتهم السابقة القديمة أو قناعات من تجربة شخصية. يمكن للعقل أن يصدق الشيء لكن القلب لا يصدق. مثلاً: يسمع أحد الغربيين أنّ العرب كريمون. يصدقها وينقلها لأصدقائه. لكنها لن تغير نظرته فعلاً للعرب أو تصرفه معهم، بل إذا رأى شخصاً عربياً واحداً يستضيفه ويكرمه إكراماً حينها يتغير التصرف والتفكير.
هذه المعلومات صارت من أسس الإقناع، فإذا أردت إقناع شخص فلا تكتفِ بالمعلومات المجرّدة – وإن كانت صادقة وقائمة على مصادر موثوقة – بل إن استطعت أن تري عينيه أو تُسمِع أذنيه الشيء المطلوب إقناعه به فهذا أقوى بكثير.