حمّاد السالمي
* أن تقرأ للأستاذ (محمد حسنين هيكل) - وهو يناهز اليوم الثانية والتسعين من عمره -، فأنت أمام متنبئ عصره الذي يعرف ما سوف يجري لك اليوم وغداً وبعد غد إلى آخر عمرك، وإذا كنت عربياً؛ وخاصة من عرب النفط؛ والمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي لا الفارسي كما يحلو لهيكل أن يطلق عليه؛
فإنه ينبغي أن تضع أعصابك في ثلاجة؛ لأنك سوف تكتشف أن تنبؤات هيكل لا تبقي ولا تذر، وأنها سوف تنسف أصلك وفصلك ودينك وعروبتك وقيمك وحضارتك، فلا يبقى لك في منطقتك إلا (إيران الفارسية)..!
* إيران باقية، وهي محور ارتكاز ومؤثرة لأنّ لها حضارة فارسية..! وحتى مصر بلده الأم؛ رغم حضارتها الفرعونية، فهي تعاني وليس لها دور يذكر..! كان لها دور فقط؛ أيام وزارته في الإعلام مع الرئيس جمال عبد الناصر، لكنها ضعفت واهتزت وتأخرت في عهديْ السادات ومبارك..!
* دول الخليج كافة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء تعاني كما يقول..! ومستقبلها غامض، وهو يرى ما وراء الحجب، فمنذ رحيل جمال عبد الناصر وهو يتحدث باسمه ويتقوّل عليه، لأنّ الرئيس في قبر مظلم لا يستطيع القيام لتكذيب المدعي والرد عليه بما يستحق، ولم يقف عند حد من وثق فيه ووزّره وجعل له قيمة، بل تطاول كثيراً على كافة قادة العرب (الأموات) طبعاً..! الرئيس السادات، والملك حسين ملك الأردن، وملوك المملكة العربية السعودية، وبورقيبة، والملك الحسن الثاني، وقادة عالميين.. أليسوا أمواتاً..؟! هو إذن يروي عنهم ما يحلو له من تخرصات، لتمجيد ذاته، وإرضاء غروره، وإشباع غريزته في الظهور وادعاء البطولات، دون حسيب أو رقيب..؟!
* نعرف جيداً منذ عهد الخصمين الكبيرين ثم الصديقين بعد ذلك؛ فيصل بن عبد العزيز وجمال عبد الناصر، أنّ الأستاذ هيكل يعاني من عقدة نفطية، ومن متلازمة أبدية لم يجد لها حلاً طيلة أكثر من نصف قرن. المملكة ودول الخليج والنفط. كان وما زال كثير الهجوم على المملكة العربية السعودية وقادتها، وكان وما زال متنبئاً ومراهناً على مواقف المملكة وسياساتها، ومع أن تنبؤاته تخيب في كل مرة، ومراهناته تخسر في كل مرة، إلا أنه لا يلبث أن يعود لعادته القديمة، حاطاً من قدر الأمة العربية كافة، ومقللاً من أهمية حضارتها وحضارة الإسلام والمسلمين، مقابل تعظيمه لإيران الفارسية، وتمجيده لحضارة فارس، ومبشراً بمستقبل إيران في المنطقة التي يرى أنها الأهم في نظر الأميركيين والغرب..!
* هذا قليل من كثير مما ينضح به (هيكل هيكل) في زمننا هذا، من تصريحات وتلميحات وأطروحات اعتاد أن يتحفنا بها ليقول أنا هنا منذ سبعة عقود..! وآخر هذا ما جاء ضمن أقوال له نشرتها صحيفة (السفير اللبنانية) مؤخراً، فالصحافي العربي والكاتب المعروف، يستكثر علينا في المملكة والخليج ما ننعم به من أمن، ويطلب منا الوقوف مكتوفي الأيدي تجاه التدخلات الإيرانية في اليمن والبحرين والعراق وسورية ولبنان..! إذا وقفنا في وجه العدوان الفارسي؛ فنحن من وجهة نظره ندخل في نفق مظلم، وحتى لا ندخل (نفقه المظلم)، وجب علينا الاستسلام والسكوت، ثم دعوته بين فينة وأخرى ليأخذ حصة طالما حلم بها من عائدات نفطنا، لكي يقرأ لنا الكف، ويرشدنا إلى غد مشرق باسم خلف قيادة فارسية معمّمة..!!
* قد يكون محمد حسنين هيكل هو وارث الرئيس جمال عبد الناصر بعد رحيله. ورث أرشيفه من خطب وقرارات وأقوال وخلافه، لكنه لم يرث مصر، ولا ورث أمة عربية عريضة، من خليجها الهادر، إلى محيطها الهادئ، لكي يصفَّها خلف الصفويين المعاصرين، لمجرد أنه لم يلق ما يريد من قبول وهبات وعطايا من دول النفط، التي جعل شغله الشاغل شتمها وسبها والحط من قدر شعوبها، ونكران ثقافتها وحضارتها وأدوارها العربية والإقليمية والدولية، ومع أنه يخطو نحو المئة من عمره، إلا أنه ما زال يظن أنه من حقه أن يصنّف العرب، وأن يُنظِّر لقادتهم، وأن يتنبأ بما ينتظرهم من مستقبل..!
* منذ أيام الرئيس جمال عبد الناصر، وأنا أقرأ لهيكل بعض ما يكتب في الأهرام في زاويته (بصراحة)، ومنذ تلك الفترة، وهو يمارس وثنية سياسية رخيصة في العالم العربي، فهو أحد أهم أسباب تورط جمال عبد الناصر في خصومات ومواجهات عربية عربية، انتهت بنكسة حزيران المشئومة.
* نُشرت عن هيكل مقالات ودراسات كثيرة تكشف عواره، وصدرت عنه كتب كثيرة تفند ادعاءاته. من أهم هذه الكتب كتاب: (كم عمر الغضب.. هيكل وأزمة الفكر العربي)، للدكتور فؤاد زكريا، أستاذ الفلسفة المعروف، كما صدر كتاب آخر للدكتور سيّار الجميل بعنوان: (تفكيك هيكل). هذان الكتابان من أفضل وأصدق ما نُشر عن تخبطات هيكل وأساليبه الابتزازية، وفيهما رد على أكاذيبه وتدليساته على ملوك العرب ورؤسائها الذين توفاهم الله، بما فيهم الرئيس جمال عبد الناصر المبتلى به حياً وميتاً.
* هيكل.. متنبئ عصره؛ يلغي 99% من عالمه العربي، في مقابل وجود إيران. الوجود (القوي والحقيقي والتاريخي)..! حتى راح مراقبون يتساءلون عن (سر علاقة هيكل بطهران)، والتي تمتد - كما صرح هو نفسه في حواره مع صحيفة السفير - إلى أيام الشاه، وأخيه أشرف، ثم إلى الخميني وخامنئي ورفسنجاني، الذي كان يزوره في (برقاش) التي فيها مكتبته الشهيرة..!
* يقول هيكل - وهذا أيضاً ملفت - (في إيران هم قادرون على أن يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم. لقد استطاعت الثورة الإيرانية أن تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار)..! ثم لا يستحي المحسوب على الناصرية أن يقول: (إنّ 99% من الدول العربية، هي دول وهمية، وجودها مجرد ديكور. بينما إيران، هي الدولة الحقيقية. في مقابل عالم عربي وهْمي)..!
* من هو الوهمي اليوم..؟! من يتوهم ويتنبأ ويهذي..؟! بل من يسخر من الأحياء، ويدلس على الأموات غير هيكل (محمد حسنين هيكل).؟!!