حمّاد السالمي
* وسط جو عام مشحون بكافة المنغصات اليومية؛ من صور وأخبار التفجيرات والاحترابات والقتل والتدمير والتشريد، نبحث عن خبر مفرح، فلا نجد إلا أقل القليل الذي قد ينسينا ولو مؤقتاً؛ مناظر بشعة، تضخها وسائل الإعلام ووسائط التواصل بشكل ساعي.
* الطائف المأنوس.. عروس المصائف؛ حققت لنا هذه الفرحة المؤملة مرتين في عشرة أيام، مرة في حفل افتتاح (متنزه الردف) الكبير، ومرة في تحقيق رقم قياسي غير مسبوق في عدد زوار هذا الصرح الحضاري الترفيهي، فقد وصل عدد زوار المتنزه في عشرة أيام فقط إلى (مليون زائر)..!
* هذا المنجز المهم الذي حققته (أمانة الطائف) على أطراف الطائف الجنوبية، وأصبح وجهة سياحية يومية لملايين الناس، يقع على مساحة (565 ألف متراً مربعاً)، ويشتمل على منظومة من المنشآت الترفيهية والثقافية، ففيه بحيرة كبيرة، ونافورة تفاعلية، وممرات للمشي، وألعاب أطفال ذكية، وعدة مراكز بيئية وثقافية، وحدائق عالمية، وعدة مطاعم ومرافق تجارية، ومصلى للعيد، ومساجد ملحقة، إضافة إلى مركز إسعاف أولي، ودورات مياه، وملاعب رياضية، ومواقف للسيارات.
* هذا متنفس سياحي مفرح حقيقة، فهو مجموعة حدائق في متنزه واحد كبير، ومع كل هذا الاندهاش والانبهار الذي وفره متنزه الردف لأبناء الطائف وزواره من السياح من مختلف مدن المملكة، ومن دول الخليج العربية، إلا أنه لم يمنع بعض المتنقصين من البحث عن حفرة خلفية، أو فتحة لدورة مياه لم تكتمل بعد، ليقفز بها إلى منصة الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليقول بفم متقيح: هذا عمل ناقص، ومشروع فاشل، وجهات منفذة لا تفهم شيئاً، ولا ترعى ذمة، علاوة على إساءة استعمال واستخدام من بعض الزوار، الذين يعبثون بالمرافق، ويلطخون وجه المنجز الجميل بمخلفات وأوساخ لا عد لها ولا حصر..!
* هذا المتنقص المنغص؛ استطاع أن يرى حفرة خلف أسوار المتنزه، لكن عينه كلّت عن رؤية كامل المتنزه، فلم تر (حدائقه العالمية)، ولا رأت (مركز الحديقة والمجتمع)، ولا رأت (مركز البيئة والإنسان)، ولا رأت (المسارات الرياضية والثقافية)، ولا رأت (معرض الفيصل.. شاهد وشهيد)..!! فظل هذا العمى يتعمد التشويه الممنهج، حتى جاء الرد من مليون سائح سعودي وخليجي في عشرة أيام. أي بمعدل مئة ألف سائح كل يوم، وعشرة آلاف سائح كل ساعة.
* أصبحنا في زمن يصعب على البعض أن يقول للمحسن أحسنت، ولا للعامل من أجله شكراً. وليتنا نتعلم السكوت إذا صعب علينا مثل هذا، ولكن تعمد الإساءة للآخرين، والانتقاص منهم، والتقليل من النجاح، عمل يجيده من لا عمل له، ذلك أنه لا يخلو عمل من نقص، ولا عامل من خطأ، ومن لا يخطئ؛ هو وحده من لا يعمل.
* هذا هو حال الناس منذ زمنهم الأول، لا يعجبهم عجب، ولا صيام في رجب كما يقال..! ذلك أن رضاهم غاية لا تدرك، فهم بين راض أو ساخط:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكنّ عين السخط تبدي المساويا
* نستذكر في هذه الحالة؛ قصة (جحا وابنه وحماره)، فهي تصور حال الناس العجيب، في الزمن العجيب. فقد ذهب جحا إلى السوق وهو يجر حماره ومعه ابنه، فلما شاهدهما الناس ضحكوا وقالوا: مجنونان أحمقان؛ معهما حمار يسوقانه ولا يركبانه..! سمعهما جحا فركب الحمار وترك ابنه يسير بجانبه، فلما رآهما الناس قالوا: هذا رجل قاسي القلب، يركب وابنه الصغير يمشي. نزل جحا وأركب ابنه على الحمار وسار هو إلى جانبه. رآهما الناس فقالوا: ابن عاق يركب الحمار ويدع والده المسكين يمشي على قدميه. فما كان من جحا إلا أن أردف ابنه خلفه على الحمار وسارا، فلما شاهدهما الناس قالوا: أب وابنه ليس عندهما رحمة، يركبان الحمار معاً..!
* هذه حال الناس إذن. إن عملت عموا عنك، وجهلوا وبخلوا عليك ولو بكلمة شكر، بل زادوا وبحثوا عن مثالب تقلل من جهدك، وتحط من قدرك، وتحبط عملك، وإن لم تعمل؛ اتهموك وانتقصوك، وسددوا إليك سهام سبابهم.
* أعجبني هذا التصوير الشعري لهذه الحالة من شاعر مصري فصيح يقال إن اسمه محمد ظافر البشري، قال:
ضحكت فقالوا ألا تحتشم
بكيت فقالوا ألا تبتسم
بسمت فقالوا يرائي بها
عبست فقالوا بدا ماكتم
صمت فقالوا كليل اللسان
نطقت فقالوا كثير الكَلِم
حلمت فقالوا صنيع الجبان
ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا لطيش به
وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون: شذّ إذا قلت لا
وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أنِّيَ مهما أُرِد
رضا الناس لا بد من أن أذم
* أختم فأقول: شكراً أمانة الطائف بكافة منسوبيها. شكراً أمينها الأمين المهندس محمد المخرج. لقد أهديتم مدينتكم الجميلة؛ درة حضارية جديدة اسمها (متنزه الردف الترفيهي). هذا عمل يُخرس الألسن المثبطة، ويرمد الأعين التي بها عَوَر وجَوَر.