حمّاد السالمي
- بعد مفاوضات شاقة استمرت 12 عاماً، بين إيران ومجموعة (5 + 1)؛ ظهرت إلى النور مؤخراً خطة العمل المشتركة الشاملة، التي تلتزم طهران بموجبها؛ بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها.
- تجمع الأطراف الإيرانية والأوروبية وأميركا؛ على أن الاتفاق النووي حدث تاريخي وصفقة جيدة. فهو ينص - على ما يقولون - على سلمية البرنامج النووي الإيراني، وعلى حزمة من التدابير التي تضمن أن لا تسعى إيران إلى إجراء بحوث أو تطوير برامج تمكنها من الحصول على سلاح نووي. ويصفون نص الاتفاقية بأنه تقني ومفصل ومعقد، وأن هذا الاتفاق ليس هو نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التعاون المشترك بين إيران والأطراف الدولية، ولم يذكر شيء عن (تعاون مشترك بين إيران والأطراف الإقليمية)..!!.
- في المقابل؛ فإن الأطراف الإقليمية القريبة من إيران؛ وخاصة جيرانها العرب، بدت وكأنها غير راضية.. بل قلقة من المستقبل مع إيران بعد هذا الاتفاق الذي أعطى شعوراً عاماً بأن إيران كاسبة لا خاسرة، وأنها سوف تتفرغ بعد ذلك لإدارة المزيد من الفتن والقلاقل في محيطها، وأنه لا يوجد ضمانات أكيدة في تحول برنامجها النووي إلى سلمي بحت كما ردد ساسة أميركا وأوروبا.
- ما قصة هذا البرنامج التسليحي المحظور دولياً في الأصل..؟
- يُذكر أنه تم إطلاق برنامج إيران النووي في خمسينيات القرن العشرين الماضي بمساعدة من الولايات المتحدة قبل أن تصبح (شيطاناً أكبر)..! (شيطان بزركَ)، أي قبل أكثر من سبعة عقود مضت. فقد كان وقتها جزءاً من برنامج (الذرة من أجل السلام)، حيث شاركت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الغربية في هذا البرنامج إلى أن قامت الثورة الإيرانية سنة 1979م، فبعد الإطاحة بالشاه؛ أمر (روح الله الموسوي الخميني) بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية للبرنامج، إذ كان يعتبر هذه الأسلحة؛ (محظورة بموجب الأخلاق والفقه الإسلامي)..! ولكنه سرعان ما أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الطاقات النووية، وسمح بإعادة تشغيل البرنامج خلال الحرب الإيرانية العراقية، وقد خضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاة الخميني في عام 1989م، وقد اكتمل البرنامج بعد ذلك بمساعدة كبيرة قدمتها وكالة (روساتوم الروسية الحكومية)، وافتتح رسمياً في 12 سبتمبر 2011م. وتوضح تقارير الطاقة الدولية؛ أن إيران أجرت دراسات تتعلق بتصميم الأسلحة النووية، بما في ذلك وضع المفجر، ووضع نقط متعددة من المواد شديدة الانفجار، والتجارب التي تنطوي على إمكانية حمل صواريخ نووية على مركبات ناقلة.. إلى آخر ما رشح بعد ذلك في مراحل تفاوض إيران الطويل مع الأوروبيين والأمريكيين.
- وبغض النظر عن بنود هذا الاتفاق ما ظهر منها فوق الطاولة أو استتر تحتها؛ فالحقيقة الثابتة أن إيران أصبحت أحد أعضاء النادي النووي باعتراف دولي، وبما تملك من خبرة في هذا الميدان، وأن الاتفاق سمح لها بالخروج من عزلتها السياسية والاقتصادية، وأن صبرها التفاوضي الطويل، أفضى إلى (أنسة الشيطان الأكبر) بفعل سلاحها النووي..! وأن ما نشهده من ظهور خطابات متباينة من طهران بعد الاتفاق، ما هو إلا لعبة موجهة للداخل والخارج معاً، ففريق روحاني الإصلاحي يتحدث عن رضى تام وعهد جديد لإيران في سياستها الإقليمية والخارجية، وفريق خامنئي ينتقد الاتفاق ويهدد دول الجوار قبل غيرها، وأصوات أخرى تغرد على وتر حاجة الشعب الإيراني إلى لقمة العيش والسلام في وسط ملتهب بسبب سياسات إيران نفسها.
* ما يشغلنا أكثر في المنطقة؛ هو السلوك القادم لإيران معنا، خاصة وهي تشعر أنها خرجت منتصرة، فهي كانت وما زالت دولة شريرة، تثير الفتن، وتغذي الحروب الطائفية في جوارها، وتبحث عن دور الشرطي المفوض والهيمنة السياسية والاقتصادية.
- لا أحد ينكر أن إيران دولة لها ثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة، وأنها تبحث عن أسواق قريبة لمنتجاتها الزراعية والصناعية، وعن استثمارات آمنة على حدودها، وهي تعتقد أنها أحق من دول الغرب في الكعكة الاقتصادية في منظومة مجلس التعاون الخليجي على وجه خاص، ولكن لا أحد يضمن تحولها لو تم لها هذا من جارة مؤذية إلى جارة داعمة للأمن والسلم في محيطها، وأنها سوف تنبذ الطائفية، وتكف عن تدخلها في البحرين، وترفع يدها عن العراق وسورية ولبنان واليمن، وتلتفت إلى تنمية جديدة داخلها، برساميل عربية خليجية طالما سال لعابها من أجلها، وسياحة عربية خليجية تثري شعبها المتطلع لظروف معيشية أفضل.
- الاقتصاد هو المشترك الوحيد الذي يوفر علاقات سلمية جيدة بين إيران وجيرانها العرب- مثلما هو اتجاهها اليوم مع المجموعة الأوروبية و(أميركا أوباما)- يجب إزاحة كافة المشتركات الخلافية المذهبية جانباً بقرارات سياسية شجاعة من الطرفين، والعمل على تكريس عهد جديد قائم على المصالح المتبادلة بين كافة الأطراف.
- مهما صدرت من تطمينات غربية وأميركية حول مخرجات الاتفاق النووي مع إيران؛ فإن ثقة الجوار العربي في إيران تظل مهزوزة، ما لم تطلق إيران نفسها مبادرات حسن جوار وتفهم حقيقي لما جرّته سياستها في عدة عواصم عربية، وأنها (إيران الإسلامية) حقيقة، وليست (إيران الصفوية)، التي تركب موجة المذهب الشيعي لضرب السني، بهدف الانتقام من العنصر العربي بهذه الفتنة الطائفية البغيضة.