حمّاد السالمي
«أكتب اليوم؛ على خلفية ما قرأته مؤخراً عن قرب توزيع نسخ من (موسوعة خطب الجمعة) من قبل وزارة الشؤون الإسلامية على فروعها في كافة المناطق، ومن ثم وصولها إلى عشرات آلاف الخطباء، الذين يعتلون منابر الجمعة في عموم المملكة.
«أذكر أني وكثيراً من كتّاب الرأي؛ كنا قد طالبنا منذ أكثر من عشر سنوات؛ بترشيد الخطاب المنبري، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، التي تنسجم مع تعاليم الدين الحنيف في ترسيخ مفاهيم الأمن والسلام، واجتناب التأجيج الطائفي، والتحريض المذهبي، والبعد كل البعد عن تغريب الخطاب الجُمعي، وتحقيق الانسجام مع سياسة الدولة في مواقفها الدينية والسياسية مع الخارج العربي والإسلامي والدولي، وترك معالجة قضايا خارج الحدود، إلى جهات مختصة عليا، تعرف كيف تتعاطى معها، وكيف تتعامل مع هذا الفريق أو ذاك، فليس من مهمة خطيب جمعة في مدينة أو قرية؛ تحديد مواقف المصلين من فصائل تتقاتل في سوريا أو ليبيا أو تشاد، ولا حشد التأييد لزعيم جماعة في بلد هنا أو هناك؛ يزعم أنه يجاهد في سبيل الله، بذبح البشر، وقطع الرؤوس، وسبي النساء، فهذه مهمة دوائر دينية وسياسية عليا في الدولة، ولو أنه ركز في خطابه على علاقة العباد برب العباد، وتناول مسائل اجتماعية من أخلاقية وسلوكية وخلافها؛ لحقق أسمى أهداف الخطاب المنبري يوم الجمعة.
«ذكر لي صديق قبل عدة أيام قال: إن خطيبهم أوغل في الدعاء للجهاد والمجاهدين في (كل مكان)..! ثم حدد بعد ذلك فدعا بالنصر والعزة للجهاديين في الصومال وتشاد وأفغانستان والباكستان، ثم ما لبث أن عرّج على الجهاديين في العراق وسوريا..! يقول صديقي: وددت لو قمت لأسأل هذا الخطيب النحرير: من تقصد بالجهاديين في العراق وسوريا..؟! هل هناك غير (جبهة النصرة) التي تمثل القاعدة..؟! ثم (دولة الخرافة الإسلامية- داعش)..؟! وهما على قائمة الإرهاب من قبل الدولة، وهما تختطفان مئات الشباب من بيننا؛ ليذبحوا ويقتلوا هناك، بسبب هذا الخطاب الديني المنفلت من بين ظهرانينا..؟! قال: لم أكد أخرج من دوامة هذه الأسئلة المُحيرة؛ حتى فاجأنا الخطيب بقول غريب، يدعو فيه بأن ينصر الله المجاهدين على عدوهم (طاغية مصر)، وعدوهم (طاغية ليبيا)..!!
«مرة أخرى يقول صديقي: هنا شعرت بأني أمام خطبة سياسية لا خطبة دينية، فمن هو (طاغية مصر) المقصود من قبله..؟! ومن هو (طاغية ليبيا)..؟! والنصر لمن في هذين البلدين العربيين المسلمين المبتليين بجماعات إرهابية، تمارس القتل والتخريب ليل نهار..؟!
«حسناً تفعل وزارة الشؤون الإسلامية، إذا هي قد وصلت إلى قناعة بضرورة ضبط الوجهة في الخطاب المنبري؛ وخاصة الجُمعي منه؛ الذي يمثل عند عامة الناس الرأي الديني، حتى ونحن نعرف أن كثيراً من الخطباء، إنما يعكسون في خطبهم وجهات نظرهم الخاصة، متأثرين بما يقرءون ويسمعون ويرون، والكثير منهم ليس لديه إلمام كاف بخلفيات الصراعات التي تجري في المنطقة، عوضاً عما يجري في بلدان بعيدة عنا، وحتى لو انطلق البعض منهم من منطلقات حسن نية وجهل، فهذا لا يعفيه من مسؤولية ما يقول، ولا يعفي المسؤولية عن الوزارة وفروعها، التي تشرف على عشرات آلاف الجوامع والخطباء فيها.
«كنا منذ سنوات الاقتتال في أفغانستان؛ نقف متعجبين من الاندفاع وراء الدعوة لما سمي حينها (الجهاد الأفغاني). كان هذا طابع الخطاب الجُمعي، فلما تعدد فرقاء الجهاد هناك، فتناحروا وقتل بعضهم بعضاً، تشظى الخطاب تبعاً لذلك، إلى أن ظهرت القاعدة، وبرز اسم رئيسها الهالك (أسامة بن لادن)، فانحاز الخطاب مؤازراً وداعماً ومحرضاً، حتى أن عمليات القاعدة الإرهابية في بلاد الحرمين الشريفين، وما مارسته من تفجير وقتل وتخريب وتهديد لأمن الوطن ووحدة المواطنين باسم الجهاد في سبيل الله؛ لم تثن البعض من الدعاء لـ(الجهاديين) بالنصر في أفغانستان وفي (كل مكان)..؟!
«كل مكان هذه فيها نظر عند العقلاء، منذ بداية الدعوة لـ(الجهاد المزعوم) حتى يوم الناس هذا، فأين هو الجهاد الحقيقي الذي أجمع عليه العلماء المعتبرون المعنيون في بلادنا؛ حتى يجهد كثير من خطباء الجمعة وما زالوا في الدعوة له والدعاء من أجله من جوامعنا ومنابرنا، معطين رسالة خاطئة مفادها أننا مع الجماعات الإرهابية في بلاد العرب وغير العرب، مضللين الشباب بهذا الخطاب الذي ينبغي أن ينضبط بشكل رسمي من قبل الجهات المعنية.
«نأمل أن تشكل (موسوعة خُطب الجمعة)، خارطة طريق للخطاب المنبري، وأن يلتزم بها الكل، من أجل أمن الوطن ووحدته وسلامة أبنائه.