د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
* تبدو كتاباتُ الآخرين عنا أرحمَ من كتابتِنا عن أنفسنا؛ فلدينا عينٌ رمداءُ ترى بعضَ ملامحِنا وأخرى ذاتُ عدساتٍ مكبرةٍ تضخم عيوبَنا، وصار التفاضلُ بين الكتبةِ فيمن يكتبُ أقسى، وبين المواقعِ أيها أشدُّ بأسًا، وبين برامج الفضائيات ما يتقول ويؤوِّل، وانعكس هذا على إحباط النشءِ من غدهم؛ فكأنها عدوى أثارت وأثَّرت حتى اهتزت ثقتنا بحاضرنا وازداد الخوف على آتينا والتشكيكُ في ماضينا.
* لن تقف المقالةُ عند الجوانب الإدارية والمجتمعية فهذه متغيّراتٌ نرضى منها الآن بما رفضناه قبلًا ونرفض اللحظة ما نصفق له بعد لحظات، ولكن الشأن الثقافيَّ القادرَ على « المحاكمة والحكم» لن يستجيب لحالات الرضا والرفض «الكيفمائية» ذات الاتجاه الأحادي أو لنقل: الإجباري، حيث لا خيار في مسارٍ يقوده المتنفذون ويُهمشُ الماشون على الدرب المسمى مرسومًا أو مأثوراً.
* يستحيل علينا إدارة رؤوسنا فوق استدارتها الخَلقيةِ لنعطي مفاتحَها لمن يريد أن نقرأ بعينيه ونستمع بأذنيه ونفهم بلغته، وحين نلجأ إلى الكاتبِ الأجنبيِّ فليعوّضنا عن التحيز الذي لا يرى إلا بعينٍ مصغِّرةٍ أو مكبِّرة.
* نعود إلى التآليف «الأجنبية» كي نرى ما تسطّره حول بعض الحركات والأدلجات والشخوص المادية والاعتبارية؛ فنلمح الإنصاف المبرَّأَ من تطرفي الغالين والقالين، وفارق بين من يقرأ (عبدالله القصيمي) بمنظار «فازلا» عمّن يقرأُه بقلم «إبراهيم عبدالرحمن، ومسافةٌ كبيرة بين من يدرس سيد قطب بنظرات حلمي النمنم ومن يضيف إليه المودودي والبنا والغنوشي ويراهم عبر»روي جاكسون» وهكذا ؛ فالمَعويُّ «المقدِّس» والضديُّ «المدنِّس» لا يقدمان قراءةً موضوعيةً.
* ومثلٌ قريبٌ من البرازيل؛ فقد وضع الروائيُّ الضخم (باولو كويلو) صورة القرآن الكريم على صفحته في «فيسبوك» - حيث يتابعه أكثر من ستةٍ وعشرين مليونًا - مضيفًا أنه الكتاب الذي غيَّر العالم، وحين علقت سيدة سورية بأن القرآن مصدر العنف وأنها هجرت الدين الإسلامي بسبب «داعش» التي دمرت بلدها أجابها - وفق الوكالات - ليس القرآنُ المسؤول؛ فأنا مسيحي وقد حاولنا فرض ديننا بالقوة زمن الحروب الصليبية وقتلنا النساء بشبهة أنهن ساحرات وحاربنا العلمَ بوصفه شعوذة.
* لا يعني هذا أن الأجنبيَّ عدلُ القولِ في كل حالاته فالميلُ يحرفه أحيانًا مع بقائه في المسار ذاته مُشملًا كان أم مجنبًا لكن الشخصنة لدى بعضنا تجعل «البوصلة» نفسَها لا تعرف الاتجاهات.
* وفي مقابله لم تبقَ زاويةٌ في أرضنا لم نشكك في مسؤوليتها عن الإرهاب؛ فالمقررات والحلقات وفصول التحفيظ والمراجع الشرعية شخوصًا وكتبًا ولو كان كتابًا مهمشًا أو شخصًا مريضًا، وجيناتنا الوراثية وانتماءاتنا العائلية والمناطقية وتصميم منازلنا وحجاب المرأة ولحية الرجل ولون عينيه وحجم ساقيه، وسنظل نحمل أنفسنا مسؤولية الإرهاب، وسيبقى الإرهابي الحقيقي سعيدًا أكان كسرويًا أم قيصريًا أم صهيونيًا أم حزبيًا.
* العدلُ اعتدال.