د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
* حين إعداد محاضرةٍ طلبها منه أحدُ المنتديات فكر في موضوعٍ يحسبُه غيرَ مستهلكٍ في الأدبيات العربية مصطلحًا وتناولاً، وهو ما وسعه ترجمتُه بـ» ضديات الثقافوية Anti- Intellectualism وسبق أن أشار إليه بإيجاز في كتابه ( فواصل في مآزق الثقافة العربية - بيسان 2011م)، وقد فتش في المصادر العربية والإنجليزية المتاحةِ له فلم يجد ما يفي برؤيته التي يلخصها بأنه امتلاءُ السطح وخواءُ الأعماق.، ويراه بعضُ الباحثين موقفًا عدائيًّا تجاه الثقافة والمثقفين.
* حدد عناصرَ محاضرته التي ينوي أن يبلغَ بها مدىً يتيحُ له كتابتَها لتكون بحثًا مكتملاً مؤملاً أن تُسعفَه ملاحظاتُ الحضور بما يأذن له بتوسيعِ دائرتها الأرضيةِ أكثر من صورتها التجريدية.
* سينشغل بموضوعه فلن يشغلَكم به، غير أن مفهوم «الضديات» يمتدُّ ليشملَ حياتَنا بتفاصيلها ومفاصلها؛ فضدياتُ الوقت والتنمية والإصلاح والتعليم والاقتصاد الرَّيعي والهيكلةُ التنظيمية عوائقُ مؤرقةٌ تحُدُّ من فاعلية التخطيط وسرعة التنفيذ.
* وكي لا نصطفَّ في خطوطٍ طويلةٍ لا تبلغُ أهدافها فإن مضادات السلوك الوظيفي النزيه تتكاثر بما لم نكن نعهدُه أو نقبل وجوده؛ فالوساطات والرشاوى والتحايلُ على المال الحكومي واستحلال الممتلكاتِ العامة أدواءٌ يسهلُ لجمُها باختيار المسؤول النزيه ورقابته - من ثَمَّ- على نوابه ومديريه، وهذه خطوةٌ أولى لاعتمار التغيير والتطوير ونسفِ المضاداتِ الإدارية والاقتصادية وتأمين غدٍ أجمل لأجيالنا الفتية.
* الضديات أو المضادات حرابٌ من داخل المنظومة الإدارية تقمعُ السيرَ نحو الغد؛ فإذا جُهلت أو تُجوهلت امتدت خرابًا في النيَّة والبنية فيعثو الداءُ ويعز الدواء، ولعلها الأَولى بعناية المسؤول قبل أن يوقع القرار الأولَ في منظمته لمن شاء ذكرًا في الأُولى والأُخرى.
(2)
* اعتاد الناسُ التأريخَ بالحياة، واعتدنا الاحتفاءَ بالوفاة، وكثيرًا ما يطرأُ سؤالٌ مقلق : أهذا الراحلُ هو نفسُه من نعرفه ونألفُه؟ فلِم لَم نره وأين كنا عنه وأين كان بكَّاؤوه؟ لم يفت شيءٌ؛ فليرحم الله من رحلوا وليحتسبهم بفضله عنده، ولدينا قوائمُ بالكبار عمرًا وعملاً ممن قد تُسعدهم آراؤنا فيهم وقت حضورهم لا بعد غيابهم، وحين يختارهم الله فالمبالغاتُ لن تَبلغَهم ولن تُبلغَهم والدعاءُ بظهر الغيبِ والصدقة في السر والجهرِ أكبر وفاءٍ لهم.
(3)
* ( ... ولا تزد الظالمين إلا ضلالا)، أنصتَ إليها وكأنه لم يسمعْها من قبل ؛فحين يجتمعُ الظلمُ «الماديُّ» مع الضلال «المعنويِّ» تُقفَلُ منافذُ الحياةِ حيث القلبُ بلا رحمة والعقلُ دون نور، ويبدو أن قوم نوح - عليه السلام - استُنسخوا اليوم في الأنظمة الشمولية التي فاض طغيانُها فازداد عتوها وتخبطها، كما في سماتنا الفردية حين تقودنا الأدلجةُ والهوى إلى إعتام العقل والقلب معًا، وربما يسرت لنا الشبكاتُ سرعة القول وكثرة التقول فظلمنا وضللنا وسار بنا التيهُ نحو التيه.
(4)
* الهوى نفقٌ لا ينتهي.