د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** ترتبطُ الثقافةُ العربيةُ بعلوِّ الصوتِ دون أن يعنيَ ذلك قيمةً حقيقيةً مكافِئةً له؛ فالشاعرُ ذو حضورٍ زاهٍ ولو سايرَ أو سُيِّر، والكاتبُ السليطُ أو المتسلطُ ذو حظوةٍ لا ينالُها الهادئُ والمُهدِّئُ، والخطيبُ المفوَّهُ يرتقي درجاتِ المنبرِ واثقًا أن «الجماهيرَ» ستصدقه وتُصفقُ له، وربما بهتت أحداثٌ وبرزت أُخرياتٌ للأصواتِ القادرةِ على الركضِ الطويل في المسافاتِ «الدائريةِ» التي لا يستقيمُ فيها معبرٌ ولا يتجلى عابر.
** كذا هي أحوالُنا حين يفترشُ السياسيُّ محطاتِ الفضاء، ويمتدُّ الإعلاميُّ في ساحات التواصل، ويتصدرُ الحكَّاؤون في سلاسلِ التسجيلات، ويُهمُّنا الرقمُ في قياسِ التأثير، والوسمُ في قيادة التغيير، والاسمُ في صدارةِ التعبير.
** كان الأطفالُ يتحالفون ضدَّ طفلٍ مثلِهم كي يُحاصروا حضورَه ويُصادروا حُبورَه في سلوكٍ بريءٍ، ووعينا تضامنَ ثللٍ من هؤلاء الصغار ضدَّ بعض معلميهم لاستفزازِهم أملًا في خروجهم عن سمتِهم كي يشكُوه ويتفرجوا عليه في سلوكٍ مُريبٍ دفعهم إليه واقعٌ مجتمعيٌّ ينتصرُ للأقوى صوتًا والأكثرِ عددًا والأوفرِ مالا، ونوشكُ -إن استمرأنا الممارسة- أن نفقدَ التميز ويسودَنا التحيز ونأذنَ للأقلِّ أن يُسيطرَ على الأجلِّ؛ فنعودَ صغارًا ونحن كبار.
(2)
** نحكي عن «المدينةِ الفاضلةِ» ونحيا في سواها، ونتطلعُ إلى الغد ونعيشُ في الأمس، ونستخدمُ التقنيةَ ولا نُصنِّعُها، ونتطاولُ بالأرقامِ والبياناتِ ولا نُدقّقُها، ونتلو «.. ولا تجسسوا ولا يغتبْ بعضكم بعضًا..» فنُسيءُ الظنَّ ونغتابُ ونتجسس، ونتهافتُ على الفتات وندعو إلى الزهد، ونعيبُ ذوي الكراسيّ ونتنافسُ على أمكنتهم، ونكون أقزامًا فنتوهمُ العملقة، ونعرف عثارَنا «الشخصيَّ» فنرمي أدواءَه على غيرنا، وندّعي الفروسية مع علمنا بذواتنا الانتهازية...
** أما لماذا ؟ فالإجابة في الأقنعةِ التي نرتديها كي نكونَ ما نتمنى ولا نتمنى ما نكون.
(3)
** الكتابةُ ليست فكرةً فقط؛ فالأسلوبُ هو الإنسان، وتهميشُه يخنُق البيان ويُلغي العنوان و»يُساوي الغاربَ بالسنام» والقاعَ بالذُّرى.
** تمريرُ الأخطاءِ النحويةِ والإملائيةِ في الوسائطِ الورقيةِ والرقميةِ وتبريرُها داءٌ لم نألفْه قبلًا وقد يتعذرُ دواؤُه بعدا؛ فليتنا نلتفتُ إلى اللغة قبل أن تتفلت.
(4)
** التقاعدُ الاختياريُّ أو الإقعادُ الإجباريُّ لا يخصُّ الوظيفةَ والموظفَ مهما علَوا بل يمتدُّ إلى الإبداعِ والمبدعين والشيوخِ والباحثين؛ فقد يُصبح الرمزُ خِلوًا من قواه إذا أطال مُكثًا دون تطورٍ وتجديد متكئًا على اسمه وموقعه وتأريخه وبعضِ الإعلامِ المصطفِّ خلفه أو المتصدرِ أمامه؛ فهل نستطيعُ إجادة توقيتِ الاختفاء قبل الإخفاء؟
(5)
** سأله عن أبياتٍ يضعُها في زاويةٍ هنا أو مقالٍ هناك دون توقيع؛ فأجابه: هي «خربشاتُه» فلا يتحملُ وزرَها إلاه، وقد يضُمُّها يومًا ديوان.
( 6)
** الساعةُ أهمُّ من دقاتها.