د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** يبدو أن المؤدلجين من أرباب البيان والبنان (وبينهما المسافة الفاصلة بين المثقف والعامي أو بين الكاتب الكبير والمغرد الصغير) يلتئمون فيتجاوزون الحدث الآنيَّ كي يوظفوه لخدمةِ مشروعهم أو متبوعهم بما يعنيه ذلك من إنشائيةٍ وخلطٍ وخبطٍ وقراءاتٍ مبتسرةٍ لتحميل التيارات الأخرى وزرَ الإشكالِ ومساءلتِهم حوله وكأن المركبَ لا يتسعُ إلا لعقولٍ مستنسخةٍ تُنزلَ المختلفين في محطةٍ خارج الحدود كي تصفوَ الحياةُ لهم وحدهم وينعمَ الأحياءُ بهم لا سواهم.
** لا أدلجةَ تستطيعُ الانفكاكَ من هذا التوجه؛ فقد مارسها «الإسلامويون» حين أقصوا غيرَهم واستعدَوا عليهم وظنُّوا بهم سوءًا وشوهوا سيرَهم بمقالاتٍ وتآليفَ وخُطبٍ انتشر معظمها في الثمانينيات والتسعينيات، وعادت الكرةُ إلى مرماهم منذ العقد الماضي حين تسيد «الليبراليون» فدافعوا عن ساحاتهم واندفعوا في خصوماتهم وتجريد الآخَر من حقه في مواقفه واستدعاءِ ما كتبه رموزهم ولو تراجعوا عنه أو اختلفت ظروف قوله، ومارس الجانبان مكارثيةً مقيتة، والخاسر من هذا هو الوطن.
** لو آمنَّا بمرحلية الفكر وتغير التفكير لما نعى أحدٌ على أحد، ومن يرصدُ المقولَ فسيرى اختلافًا كثيرًا من الطرفين لا ضير فيه ما دام دافعُه إيمانًا لا مصلحة، ولو تأملنا لوعينا افتقادَنا التحليلَ العميق المحايد لكثيرٍ من المظاهر السلبية التي يعيشها المجتمع لتأثرنا بالشخصنةِ التي تُنزل الناس حسب مواقفهم الخاصة من بعضهم، وقد تسيءُ للمجموع ويمتد ضررُها إلى أمس الإنسانِ ويومه وغده.
** للإرهاب أن يهنأَ مادام همُّنا الأولُ الاحترابَ اللفظيَّ الداخليَّ بين المكونين المتخاصميَن المنشغليَن بوهم البحثِ عن أدوات الجريمة وترك المجرمِ طليقًا يهزأُ من ضوضائنا ويُعدُّ نفسه لجرمٍ جديد.
** وقى الله الأمةَ من كيد أعدائها وفرقةِ أبنائها.
(2)
** اختطَّ أستاذُنا الدكتور عبدالله الغذامي نهجًا نادرًا؛ فلم يحظُرْ من متابعيه في «تويتر» الذين تجاوزوا ربع مليون إلا واحدًا تعرض لسيدنا علي بن أبي طالب بالسباب، وهو نهجٌ قسا فيه على نفسه أولًا كما يصعبُ احتذاؤُه في وسيطٍ يسكنه القادر والعاثر والصادق والكاذب وفي زمنٍ ساوى بين الفطِن والفدْم، ومع نشءٍ فيه من لا يعطي العالِم قيمته التي يستحقُّها، وهو ما نأسفُ له ونتمنى تبدلَه.
** تربينا على احترام المعلمين وتوقير العلماء وجمال الصمتِ بحضرتهم والإفادةِ منهم والحوارِ الهادئِ المستشرفِ لجديدهم ودفعهم إلى إضافة مخزونهم المعرفي والحياتيِّ فامتدت قاماتُنا بهم وما نزال نتعلم منهم وندعو لهم ونتطلع إلى أن نكافئَ ما بذلوه من أجلنا؛ فليتنا نَعدُّ وجود العلماء في وسيطٍ لا يكلفنا غير زِرٍ وإصبعٍ دروسًا تطرقُ أبوابنا لتضيءَ أذهانَنا.
(3)
** ليس عسيرًا أن تنكأَ الجراح، لكن العسيرَ تضميدُها، وقد ترمُّ على قيحها فيستحيل برؤُها.
(4)
** من يَحترمْ يُحترمْ.