عبد الاله بن سعود السعدون
أدت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في تركيا لأجندة صعبة قلبت كل توقعات قادة الحزب الحاكم - العدالة والتنمية - حيث أفرزت نتائجها مفاجئة غير سارة بحصوله على 258مقعدًا نيابيًا لا تؤهله لتشكيل الوزارة بمفرده وهذا أول تراجع له منذ ثلاثة عشر عامًا من تسلمه السلطة كاملة بسحب الشعب التركي لتفويض الاستقطاب الأوحد للرئيس رجب طيب أردوغان الذي طرح مشروعًا ضمن برنامج حزب العدالة والتنمية لتحويل نظام الحكم إلى الرئاسي بدل البرلماني الذي كان سائدًا منذ تأسيس الدولة التركية عام 1923م وتغيير الدستور الحالي الذي كتبه الانقلابيون عام1982م وشكل هذا المشروع خوفًا لدى الناخب التركي من ظهور الزعيم الواحد المتنفذ بكل السلطات وبحكم الدستور مما أدى إلى تحجيم عدد المصوتين لصالح الحزب الحاكم.
وبعد فشل كل المحاولات التي أجراها رئيس الوزراء المكلف البروفسور أحمد داوود أوغلو بصفته زعيمًا لحزب العدالة والتنمية لتأليف وزارة ائتلافية مع أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الكردية) وأثر مضي خمسة وأربعين يومًا من التكليف الرئاسي وهي الفترة المحددة للسقف الزمني لتشكيل الوزارة حسب الدستور فقد أعلن الرئيس أردوغان بعد التشاور مع رئيس البرلمان الحالي (عصمت يلماز) بالمضي للانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر القادم حسب المادة 116 من الدستور التركي.
أما المعارضة السياسية التركية فقد قابلت قرار الاتجاه نحو الانتخابات المبكرة بسلبية دلت عليها تصريحات رؤساء هذه الأحزاب حيث طالب زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو بمنح حزبه الفرصة الثانية بتكليف رئاسي لتشكيل الوزارة لاحتلال حزبه المركز الثاني في عدد المقاعد البرلمانية (132مقعدًا)حسب نص الدستور وحتى لو نال السيد قليجدار أوغلو التكليف الوزاري فستكون حظوظه بتأليف وزارة ائتلافية مستحيلة لعدم منحها الثقة في البرلمان وسيستمر رئيس الوزراء الحالي بتسيير العملية الانتخابية بشرط منح حقيبة وزارة الداخلية لشخصية مستقلة تصوت المعارضة على اختياره حسب تعليمات اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية.
وقد يطرح تساءل جدي حول الأجندة المنتظرة من الانتخابات المبكرة وإمكانية عودة حزب العدالة والتنمية للحكم بمفرده ونيله لمرتبة الأغلبية البرلمانية مرة أخرى بفوزه لأكثر من 276 مقعدًا برلمانيًا وحسب تقديري الخاص أرجح بلوغه لهذا العدد من المقاعد إذا أعاد توجيه حملته الانتخابية نحو المصالحة الداخلية لحزبه ومحاولة توحيد قيادات الحزب ومؤسسيه الذين ابتعدوا عن المشاركة في الانتخابات الأخيرة وعلى رأسهم الرئيس عبدالله كول وعبداللطيف شنر وكتلته التي تحظى بثقة وتقدير المواطنين الأتراك وخروج عدد كبير من الشخصيات الكردية عن حزب العدالة والتنمية والتحاقهم بحزب الشعوب الكردية يمثلها (ميردنكل فرات)، ومجموعته التي رفعت بأصواتها عدد مقاعد الأكراد لثمانين نائبًا كرديًا.
وقد يشكل التحول الحكومي نحو القضية الكردية ووصف حزب العمال الكردستاني بالإرهاب ومحاربته وإعلان الحكم العسكري في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا وأبعادهم عن مراكز المدن وأضعاف تأثيرهم على الناخبين مما يشتت الأصوات الكردية ويؤدي لتحول نصف مقاعدها لحزب العدالة والتنمية، ويعرقل أيضًا محاولات أنصار الداعية الإسلامي المعارض فتح الله كولر لدعم حزب الشعوب الكردية الديمقراطي كما جرى ذلك في الانتخابات الأخيرة. ولا بد من تضمين البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية خطة تنموية جديدة لرفع مستوى التنمية الاقتصادية بعد تدنيه لنسبة 2 في المائة وبلوغه عام 2012م 6 في المائة ومعالجة الهبوط المستمر للعملة الوطنية (الليرة) أمام العملات الصعبة.
إن تأثير شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان المقربة للمواطنين وعرفانهم بمنجزات حزب العدالة والتنمية طيلة ثلاثة عشر عامًا وتحقيق الأمن والازدهار الاقتصادي واحتلال المركز المتقدم لتركيا إقليميًا ودوليًا كل هذه العوامل ورقة رابحة للحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية وتشكل مفتاح الفوز بأغلبية برلمانية منتظرة في الانتخابات البرلمانية المبكرة القادمة، فهل يتحقق ذلك بعودة ثقة الناخب التركي بالرئيس أردوغان وحزبه أم يتعرض قادة حزب العدالة والتنمية في عملية الانتخابات المبكرة لمخاطرة سياسية قد تدخلهم بدائرة التراجع عن المراكز المتقدمة في المشهد السياسي التركي؟