عبد الاله بن سعود السعدون
الناخب التركي فاجأ كل الكتل السياسية التركية وبالذات الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) ووزع إرادته الانتخابية بين كل القوائم بشكل لا يعطي الإمكانية لأي حزب بتشكيل الحكومة لوحدة ولا بد من التوجه للائتلاف بين أكثر من حزب لتشكيل الوزارة القادمة.
وبذا بدد كل أحلام حزب الرئيس أردوغان في الحصول على الأكثرية المطلقة (375 مقعدًا نيابيًا من مجموع 550 مقعدًا) وتشكيل الوزارة بالأغلبية تمهيدًا لتغيير الدستور ونظام الحكم لرئاسي يمنح رئيس الجمهورية سلطات رئيس الوزراء والبرلمان معًا، إلا أن النتائج جاءت غير متوقعة فحصل على 295 مقعدًا نيابيًا لا تؤهله لتشكيل الوزارة، وقلبت كل طاولات المشهد السياسي على مراكز القرار في السلطة التركية الحالية وأبرزت قوى سياسية جديدة لم يتوقع لها أبدًا دخول البرلمان وتحتل مركز الكتلة البرلمانية المؤثرة في القرار السياسي واستمرار العملية السياسية.
لم يتوقع أي محلل سياسي أن يتجاوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي نسبة 10 في المائة من مجموع أصوات الناخبين البالغ عددهم ثلاثة وخمسين مليون مصوت تركي فبلغ مؤيدو هذا الحزب الكردي أكثر من 12 في المائة وحصد أكثر من 80 مقعدًا نيابيًا، وبهذه النتيجة قطع الطريق على حزب العدالة الحاكم وأضاع عليه بلوغ الأكثرية المطلقة بل لم يصل للأغلبية بنتائجه التي تؤهله لتشكيل الوزارة من أعضاء حزبه فقط، بل لا بد من شريك آخر لتأليف وزارة ائتلافية.
لا بد من دراسة الأسباب الرئيسة لانتكاسة حزب العدالة والتنمية غير المتوقعة، ويأتي على رأسها قيادة الدكتور أحمد داوود أوغلو للحملة الانتخابية، فداوود أوغلو شخصية أكاديمية ودبلوماسية لا يعرفه الناخب كسياسي متمرس ولم يكن برنامجه الانتخابي يعطي جذبًا للتصويت لمرشحيه، لاعتماده على إنجازات الرئيس أردوغان وعهده السابق.
والسياسي كشخصية عامة لا بد أن تكون له كاريزما شعبية جاذبة لكل أبناء الشعب والدكتور داوود أوغلو رئيس الوزراء وزعيم الحزب الحاكم لم تكن له هذه الصفة الشعبية، بل كان ظل أردوغان في الحزب لعدم سماح الدستور التركي لرئيس الجمهورية دعم أي كتلة سياسية وابتعاد الرئيس السابق عبدالله كول الذي يحظى بمحبة واحترام كل الشعب التركي أثر في شعبية الحزب الحاكم.
ويأتي رسم القوائم الانتخابية حسب المحسوبية والقرابة لقيادة حزب العدالة وإبعاد شخصيات ذات شعبية عالية في محافظاتهم أثر على نسبة التأييد الانتخابي لأنصار أردوغان أخيرًا الثقة المفرطة بالفوز دون العمل الجاد، للوصول إليه أفقدهم مقاعد كثيرة كانت من حصة حزب العدالة في الانتخابات السابقة ويأتي شعار اختيار النظام الرئاسي والدعوة إليه مما حفز المعارضة لتكثيف نشاطها واتحادها للوقوف أمام تحقيق هذا المطلب الذي دعا له الرئيس أردوغان وحزبه خشية مسح الأفكار الأتاتوركية الديمقراطية والاتجاه نحو الديكتاتورية الرئاسية وتركيز السلطات التنفيذية بمركز رئيس الجمهورية.
المشهد السياسي الذي جاءت به نتائج الانتخابات صعب جدًا فلا حزب العدالة والتنمية يستطيع تشكيل الوزارة لوحده، ولا المعارضة قادرة على تشكيل وزارة ائتلافية فيما بينهم ولا بد من مشاركة حزب العدالة والتنمية مع كتلة أو أكثر للوصول إلى تأييد الوزارة الجديدة والتصويت باعتمادها في البرلمان.
من الممكن تشكيل وزارة ائتلافية إذا استطاع قادة حزب العدالة الوصول لاتفاق مع حزب الشعوب الكردي يحقق مطالب القومية الكردية باعتبار القادة الأكراد قريبين من حزب العدالة والتنمية، لوجود انسجام بينهما ووعود سابقة لمناصرة حقوق الأكراد السياسية.
أما المعارضة فلا تستطيع بلوغ عدد المقاعد البرلمانية (325 مقعدًا) المطلوبة للتصويت باعتمادها.
هكذا جاءت المعادلة الصعبة لمستقبل الحياة السياسة في تركيا التي أثرت على الوضع الاقتصادي الداخلي فتأثرت أسعار الليرة هبوطًا أمام العملات الأجنبية وتراجعت سوق الأوراق المالية لأكثر من 6 في المائة بصورة مفاجئة واهتزت الأسعار في سوق إسطنبول.
أمام حزب العدالة والتنمية أن يراجع أسباب هذا الفشل الانتخابي بشفافية صادقة لإقناع مؤيديه وللاتجاه إلى قرار الانتخابات المبكرة لاستعادة موقعه المتقدم طيلة اثني عشر عامًا واستعادة تأييد القادة الذين استبعدوا في الفترة الأخيرة من أعضاء حزب العدالة والتنمية ومؤسسيه كالرئيس عبدالله جول وجماعة عبد اللطيف شنير ومحاولة إجراء مصالحة شاملة بين كل القوى الإسلامية وعلى رأسهم مؤيدو الداعية الإسلامي فتح الله كولن وحزب السعادة حزب أربكان وحزب الاتحاد الكبير الإسلامي أسوة باتحاد المعارضة ضد برنامج أردوغان وإسقاطه والاتجاه المنظور للعملية السياسية أمام خيارين تشكيل وزارة ائتلافية ضعيفة أو اللجوء للانتخابات المبكرة.
الأيام القليلة القادمة حبلى بالأحداث المفاجئة كنتائج هذه الانتخابات التي إعادة رسم الخريطة السياسية.