أمل بنت فهد
ذاكرة الإنسان في بعض أحوالها تتعامل بلؤم مع صاحبها، خصوصاً في وضعية الإحباط والضجر وانعدام الرغبة في التحرك والخروج من العتمة.. عندما تتدنى الهمة كأنما تحمل طوداً على رأسك.. يبقيك في ذات المكان يحاول أن يسحقك.. عندها تتخلى عنك الذاكرة وتبقيك ضائعاً دون تاريخ.. كالرضيع تماماً ضعيف دون دفاعات وخبرات.. رغم أنك أنت نفس الشخص الذي كان في ذروة مجده يتحدى العوائق والصعاب!
ومكمن اللؤم أن الذاكرة تتكاسل، وربما ترفض استرجاع الصور التي تحكي أنك كنت قادراً.. وكما صنعت الماضي فأنت من يصنع الحاضر.. لا تدري حينها لماذا أنت عاجز عن مناداة القوي الذي كنت.. هل الذاكرة تتعامل بذكاء مع حالة الإنسان العاطفية؟.. أم أنها ترضخ معنا للحالة وتستدعي الذكريات بناءً على الوضع الراهن.. في الحزن تمطرنا بصور حزينة من مستودعها الأسود.. وعند الفرح تأتي بلوحات وردية كنا فيها في ذروة السعادة.. وإن كانت مجرد تابع لماذا تصادفنا حيناً بذكرى وحنين في عز انشغالنا عنها؟!
ألم تستغرب كيف أن بعض من ظننت أنهم لا يهزمون ولا يقهرون.. كيف تلاشت أصواتهم.. وغابوا عن المجالس والحياة.. هل حقاً كان التحدي الأخير حاسماً في مسيرتهم وحطمهم؟.. أم أن التحديات لم تفارق دروبهم؟ ومن عساه أن ينجح ويصل دون أن يتعثر؟.
اختصار هذا التيه في الذاكرة أن نتعلم كيف نجبرها أن تبحث عما نريد.. وفي الوقت الذي نحتاج.. فالذاكرة هي نفسها ذاك الصديق المؤمن بنا.. الذي يستطيع أن يهز الذاكرة ويخبرنا كيف كنا.. وكيف استطعنا.. وكيف تحدينا.. وكيف أنجزنا.. صديق يذكرنا بنا.. بالإنسان الذي كان لا يخاف.. بالإنسان الذي يمضي وعينه صوب طموحه وأهدافه.. وإذا سكت الصديق وهو يراك تمزق نفسك ولم يحرك ساكناً.. فهو أحمق أو عدو بقناع أبيض.. وكلاهما شر ومكيدة.
لذا علم ذاكرتك كيف تقف بجانبك.. كيف تعيد وتكرر لك انتصاراتك.. واعلم أنها تختار لك الحدث بحسب مشاعرك ووضعك.. لا تجعلها تدفنك أكثر.. إنما ابحث في ملفات النجاح.. ملفات النشوة.. ملفات الحب.. ملفات الانطلاق والحرية.. لأن دورها الأرشفة والحفظ.. والاستدعاء بيدك أنت.. استدع صديقتك الذاكرة.. ولا تحولها لعدو كاسر.. فهي من تعرف عنك كل شاردة وواردة.. امنعها من الخوض في أحداث الألم.