إبراهيم عبدالله العمار
كنت في مطعم قبل سنين ورأيت غربيًا يعيد طعامه غاضبًا للمحاسب لأنهم أخطأوا فيه، ولم أسمع كل المناقشة بينهما لكن سمعته يقول: «لن أعود لهذا المكان أبدًا!».
جذبت هذه العبارة انتباهي، وهي تتردد كثيرًا على ألسنة الغربيين إذا ما واجهوا مشكلات مع المتاجر، فإذا اشتد غضب الزبون صاح بمن أمامه: «لن أشتري هذه السلعة مرة أخرى!» أو «هذه آخر مرة آتي لهذا المكان!» وما شابه ذلك.
في السابق كنت أسمع هذه العبارات واستهين بها.
كان منطقي هو منطق الكثير من أهل بلدنا ومنطق العرب عمومًا، وهو «ماذا يضرهم لو قاطعهم شخص واحد؟ هل سيخسرون لأن فلانًا قرر عدم العودة لهم؟»، ولم أدرك لماذا يفعل الناس هذا؟
لكن رأيت أن لهذا المبدأ أهمية عظيمة. إن الغربيين يتكلمون ليس بأصواتهم فقط بل بأموالهم، ولا يستهينون بأنفسهم، فلا يهمه إذا كان غيره سيزورون المطعم أو يشترون المنتج أو ينزلون الفندق، بل إذا غضب منهم ورأى منهم ظلمًا أو وقاحة يخبرهم أنهم لن يحصلوا على ماله بعدها أبدًا.
في هذا أرى هناك اعتزازًا بالنفس، ونوعًا طيبًا من الكبرياء، وعكس هذا ما أراه من أهل بلدنا الذين يستمرون في شراء منتجات أو العودة لمتاجر غشاشة أو مطاعم تعاملت بوقاحة معهم أو مؤسسات أساءت لهم، فيعود مستقبلاً وهو كسير ولسان حاله يقول: «وماذا سيخسرون لو أني قاطعتهم؟»، ولا يدرك أنه حتى لو لم يخسروا كثيرًا فإنه هو قد ربح.. ربح كرامته.. ربح عزة نفسه.. انتصر في المعركة المعنوية.
عندما تَكثُر المقاطعات لمؤسسات تجارية سيئة فإن هذا يجبرها أن تحسن من سياساتها وتعاملها، ولدى الغربيين نقابات ومؤسسات تهتم بحقوق المستهلكين وعامة الناس ولها منشورات ومجلات ومواقع إلكترونية، فهذه جبهات بالغة القوة وتضع المؤسسات التجارية تحت الضوء وترهبهم لكيلا يستغلوا الناس ويغشوهم.
لكن حتى من دون هذه المؤسسات الشعبية يمكن للفرد أن يصوّت بماله.
لا يحتاج أن أكون ذا نفوذ عظيم لكي أقول لشركة ظلمتني: «لن أشتري منكم أبدًا».
لا يجب أن أكون ذا مالٍ طائل لكي أقول لمؤسسة تعاملت معي بسوء أدب: «هذه آخر مرة آتي هنا».
يكفي أن أعلم أن بالي مرتاح؛ لأن مالي لم يذهب لهم، ولو كان ريالاً واحدًا.
لا يهمني إذا خسروا أم لم يخسروا، إنما الخسارة الحقيقية لي أنا لو أن مالي ذهب لهم من جديد وذلَّت نفسي لهم.
عندما أساءت بعض الشركات التعامل معي، لم أزرهم بعدها قط، وكم أشعر براحة بال بسبب هذا، بينما لو كنت في سابقي لظللت أشتري منهم ولسان حالي يقول: «لن يتضرروا من مقاطعتي، أنا شخص واحد، إذا فلأستمر في الشراء منهم رغم وقاحتهم معي».
دعونا لا نستهين بأنفسنا.
سواءً في هذه المسألة أو في كل شيء عمومًا، لا يجب أن يفعل كل الناس مثلك، بل عليك نفسك.. عليك أن تمشي في الطريق الصحيح، ولو لم يسلكه إلا أنت.