سعد بن عبدالقادر القويعي
انطلاقاً من قاعدة: «إن الفكر لا يواجه إلا بالفكر»، فقد أصدر المؤتمر العالمي لدار الإفتاء في ختام أعماله بالقاهرة - قبل أيام -، عدداً من التوصيات للنهوض، وضبط الفتوى في العالم الإسلامي، وذلك من خلال ضرورة التنسيق الدائم بين دور الفتوى
.. ومراكز الأبحاث؛ لصياغة ردود فعالة في مخاطبة الرأي العام في ملف الرد على الفتاوى الشاذة، والتكفيرية - أولا بأول -، ومراعاة المفتين لتغَير الأعراف من بلد لبلد عند مباشرتهم الفتوى، وتنبههم إلى خطورة سحب مسائل الماضي إلى الواقع الحالي، دون التفات إلى تغيير مناط الأحكام.
إن بحث مسائل الفتوى الكبرى، والنوازل، والمستجدات التي لا تتوقف عند الوقوع، مع التأكيد على ضرورة بعد مؤسسات الإفتاء عن السياسة الحزبية، والدعوة إلى الالتزام بقرارات الهيئات الشرعية، والمجامع الفقهية، ودور الإفتاء الكبرى في مسائل النوازل، وفتاوى الأمة لما فيها من جهد جماعي، يحتاج - أولاً - إلى إنشاء معاهد شرعية معتمدة؛ للتدريب على مهارات الإفتاء، ويحتاج - ثانياً - إلى العمل الجاد على إدراج الـمساقات، والمقررات المتخصصة في الإفتاء في المؤسسات الأكاديمية.
ولأن الفتوى - اليوم - انحرفت عن مسارها الصحيح، وأصبحت سلاحًا بيد الجماعات الإرهابية؛ لشرعنة جرائمها، وإثارة الفوضى، وسفك الدماء، وتصدير الفتن للأمة، فإن الرؤية أصبحت ملحة لفتح آفاق جديدة؛ من أجل أداء إفتائي متميـز، يبتكر حُلُولا لإشكاليات الواقع، ويرسم طرقا لتنمية مستقبلية مستدامة. كما أن تأكيد رسالة الرقي بالإفتاء من أزمة الفوضى، والجمود إلى الإفتاء الحضاري، وبمنهجه العلمي الفعّال الأصيل، يقتضي رسم المسار التصحيحي للبوصلة عن طريق توحيد الروئ، والجهود في الفتوى، والتصدي للذين ينتزعون اللفظ القرآني، والنبوي من سياقهما.
ثم إن بيان الأحكام الشرعية، ودلالة الناس عليها تحتاج إلى الاعتناء بمنصب الإفتاء، والمفتين، وأن لا يتولاه إلا مؤهل له، عارف بضوابطه، وبآداب المفتي، والمستفتي؛ لأن المفتي هو الموقع عن الله - تعالى - في فتواه، وسيلزم - بالتالي - وضع منهجية وسطية للإفتاء، تعتمد على روح الشريعة، والأخذ بمبدأ التيسير، والخروج من الخلاف ما أمكن، ومراعاة مقاصد التشريع، وتعزيز الثوابت التي ستهدي الفقهاء إلى الاستنباط منها، والتفريع عليها؛ لاستجلاء أحكام ما يُعرض للناس من قضايا، ونوازل لا تتناهى، - خصوصاً - وأن الأمة تواجه تحديات كبيرة، وخطيرة في الوقت الحاضر، تجعل المسؤولية ثقيلة على كاهل علماء العالم الإسلامي الربانيين، وتحتاج - كذلك - إلى بذل المزيد من الجهد في تبيان الحق، والنصيحة.