سعد بن عبدالقادر القويعي
دائمًا ما يقع -الكاتب- محمد حسنين هيكل في الفخ، عندما يحاول تضليل الرأي العام بروايات غير صحيحة، وخلطه للأحداث بين مزاجه الشخصي، والعام.
فهو من قال على سبيل المثال: إن من هدم برجي التجارة في نيويورك، هم صرب يوغوسلافيا، وأن بلاك ووتر، هي من يقتل السوريين -اليوم-. وبكل ما لدى هيكل من قرون استشعار طويلة، فإنه لا يستطيع بعد أن تجاوز -التسعين عامًا- أن يفرق بين الحقيقة، أو يتخيلها، بل ولا يعرف متى سيخرج من المسرح السياسي. ولذا فإنني لست من المصدومين من أقواله؛ لأنه دائمًا يترك أصل الموضوع، ثم يخوض في تفاصيله.
آخر النداءات التي أطلقها هيكل، توحي إليك بأن الرجل ما زال يعيش عند حدود الهزيمة النفسية، أو قبلها. كما أنك تلحظ عليه أنه لا يمل من تكرار أحداث أكل عليها الدهر، وشرب.
وأذكر أن الدكتور العراقي سيّار الجميل، طعن بكل أحاديث هيكل، وقال: «إنه يتوهم الأوهام حقائق، ويصدقها الناس، وهي لا أصل لها، ولا حقيقة لها.. وأن استخدام هيكل للوثائق مجرد أكاذيب، لا أساس لها من الصحة»، إلى أن يقول: «فقد زور التاريخ في أشياء كثيرة، ولوى عنقه؛ حتى يكتب أهواءه السياسية، مغلفة بأحداث تاريخية فسرها كما تراءى له».
تخاريف هيكل المعتادة تظهر جليًا بصوته الذي يعلوه الغبار، وبتفننه في تزوير التاريخ، وتفسير الحقائق، حسب ما يحلو له، بالرغم من ادعائه للموضوعية. فقد جاءت ردوده حول الاتفاق النووي على طبائع الأمور، وليس من طبيعتها، التي أثارتها تصريحاته النابعة من مرارة الشعور بهزيمة مشروعه، والتعويض عن ذلك بمزيد من التجافي عن قول الحقيقة، عندما وصف -قبل أيام- دول الخليج العربي، بأنها: «أضعف من أن تشاغب على الاتفاق النووي؛ ولكن يمكنها أن تشكو إلى الأمريكيين، وتعاتبهم، وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانة لهم».
أثارت تلك التصريحات التي أدلى بها هيكل موجة من الغضب بين عديد من المفكرين، والسياسيين الخليجيين، الذين اعتبروا تصريحاته بمنزلة دعم غير مباشر للقوى الغربية، وإيران على حساب الدول الخليجية.
وفي تقديري أن تصريحاته تلك ليست مفاجئة أبدًا، وأن خروجه علينا من جديد بأكاذيب زائفة، وتحليلات باطلة أمر متوقع؛ ولأن الأمر لا يحتاج إلى مزيد من التفصيل، فقد أصبح الرجل ثقيلاً على نصاعة الحراك الفكري، ومساره الثقافي. فقربه من إيران، ومواقفه المعروفة من دول الخليج، هي من تحرك تحليلاته غالبًا، مع أن الظروف الراهنة، والمناخ السائد في أجواء العمل العربي المشترك، لا تسمح بهكذا مواقف مهترئة؛ لأننا بحاجة إلى فكر واعٍ مختلف، وليس تكرارا لعبارات مستهلكة.