عروبة المنيف
لا يسعني في هذا المقال كمواطنة سعودية إلا أن أتقدم بالشكر والامتنان لكل من أسهم في تيسير انعقاد مباراة فريقي الهلال والنصر (السوبر) في مدينة لندن، سواء من اللندنيين أو من غيرهم. لقد أدخلتم الفرح والسعادة والغبطة في قلوب النساء السعوديات المتعطشات لمواكبة وحضور تلك الفعاليات في بلدانهم، والمحرومات منها بفعل عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان.
... لقد كان حضور المرأة السعودية داخل الملعب وخارجه ملفتاً، ولكن كان مشرفاً أيضاً، مارست حقها في المتابعة والتشجيع على المدرج وبجانب أخيها الرجل السعودي وهي في قمة الأدب والاحترام، وبمنتهى العفوية والبراءة، والجميع يشاهد ذلك على الشاشات وحياً على الهواء. لم تحصل تحرشات أو أي ممارسات خارجة عن الأخلاق والذوق العام، فالجميع يحتكم لقانون البلد المضيف ويحترمه حيث يطبق على الجميع من دون استثناء.
للمرأة حس كروي أيضاً، لديها اهتماماتها الرياضية، لديها مشاعر وأحاسيس تريد التعبير عنها، لديها فريقها الكروي الذي تؤيده وتحبه وتشجعه مثلها مثل الرجل تماماً، لماذا إذاً نحرمها حقها في المشاركة والحضور؟
لدينا مثل دارج يقول «كلٍ يرى الناس بعين طبعه»، لقد تفاوتت قراءة المشهد عند السعوديين، فمن كانت نظرتهم إيجابية نظروا إليه من منطلقات حقوقية، فهي من حقها دخول الملعب ومشاركة الرجل في تشجيع الفريق الذي تحبه وتؤيده، لقد دخلت الملعب بهدف الاستمتاع والتفاعل مع المبارزة الكروية، وليس لها أي أهداف أخرى! هم باركوا حضورها وأيدوها. وعلى النقيض تماماً طالعنا النظرة السلبية لبعض الناس على المشهد ذاته، لقد تلبستهم النيات الخبيثة لدرجة اتهام الحاضرات بالفجور والفسوق والعهر، والكثير من فحش القول الذي يصم الآذان ويعبر عن سوء التفكير وقبح الطبع، ما ينطبق عليهم المثل السابق!
المضحك المبكي تطليق شاب لزوجته المبتعثة - إذا كان صحيحاً - بعد أن رآها على مدرجات الملعب من خلال الشاشات! وكيف لنا أن نستغرب بعد ذلك ارتفاع نسب الطلاق لدينا إذا كان يمين الطلاق يرمى بهذه السهولة!
لماذا يجود علينا اللندنيون بفضلهم ويدخلونا إلى ملاعبهم بينما ملاعبنا محظورة علينا، فإن دخلناها باركناها لهم كما باركنا ملعب «لوفتس رود» بلندن، وإن لم ندخلها محقت بركتها، وكأن الملاعب الغربية أولى بالبركة.
إن فكرة عقد المباراة خارج المملكة وفي لندن تحديداً تعد مبادرة رائدة، فهي رسالة لمعارضي الداخل الذين يحرمون على المرأة المشاركة في فعاليات كهذه، لعل تلك الرسالة تعمل على تسهيل إذابة العوائق التي تمنع المرأة من المشاركة في الفضاء العام، وخصوصاً الفعاليات الكروية والمسرحية والفنية والأدبية وغيرها.
لقد ألبسنا الإسلام لباساً غير لباسه إلى أن تم تشويهه وجعلنا الشعوب الأخرى تنفر منه، حيث ألبس لباس الرجعية والتخلف والعنف والإرهاب، والإسلام براء من كل ما ألبسوه إياه، لنقول لهم انزعوا تلك الألبسة المهلهلة التي غشيتم إسلامنا بها حتى تنقشع عنه تلك الغمامة ويصبح مصدراً للنور والإشعاع كما كان.
ننشغل بالتفاهات ونحاول إحكام الأقفال على المجتمع على الرغم من أن العالم يسير ويكسر قفلاً وراء الآخر، ولكن عمى بصيرة بعض منا تجعله يستمر في غلق النوافذ والأبواب وإحكام أقفالها لئلا تأتي ريحاً وتفتحها، ولكن هيهات فرياح التغيير لن تتوقف، ولا أعتقد أن هناك رياحاً أقوى من الإنترنت التي كسرت كل الأقفال وأصبح من الصعب وضع أقفال جديدة لندور في حلقة مفرغة. نحن لا نريد ريحاً صرصراً عاتية تجهز على الأقفال والأبواب والنوافذ تجعلنا غير قادرين على التحكم في إغلاق نوافذنا وأبوابنا، إننا نريد بعضاً من الليونة والسماحة واحترام الآخر في التعامل وخصوصاً في القضايا التي تخص المرأة.
إن التشديد على قضية الفصل بين الجنسين غير مبررة على الإطلاق، فالاختلاط قائم ولا تستقيم الحياة بدونه، هذا التوجس جعلنا نتصدر دول العالم في قضايا التحرش وفي قضايا الطلاق أيضاً!
نحن معشر النساء نحضر السينما في البحرين، والمباريات الكروية في لندن، ونقود السيارة في جميع أنحاء العالم ونقول:
يجود علينا الكرام بكرمهم
والبعض من كرم الكرام حسود.