عروبة المنيف
لا ندري هل نفرح ونحتفل بإنجازات صقور الوطن في إلقائهم القبض على 431 مشبوهاً من المنتمين لتنظيم داعش أم يصيبنا الأرق لما آلت إليه أوضاع أبنائنا المغرر بهم والمنحرفين إلى غياهب الجحيم الأبدي.
إن أعداد المجندين في التنظيم من أبناء جلدتنا في تزايد والعمليات الانتحارية التي يعلن عن إحباطها تفوق المنجزة والطموحات في إبادة الفكر التكفيري أكبر مما هو ممارس فعلاً .يجب أن نعترف أن هناك تقصيراً في إصلاح الفكر الديني وفي نقد المدارس الفقهية التي نهلنا جميعنا من تعاليمها المتشددة، وإن هذا التشدد الديني من أهم أسباب هذا الوضع الذي لا نحسد عليه، فالعالم ينظر إلينا بأننا نربي وحوشاً بشرية في بيوتنا، نطعمهم من قوت المناهج التعليمية التكفيرية ونسقيهم الآسن من مياه المؤسسات الإسلامية المتشددة، وما أن وقع الفأس بالرأس حتى ابتدأنا في العويل والصراخ وإلقاء التهم.
إن أصابع الاتهام بدأت في التصويب باتجاه هذا الفكر المتشدد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001 وذلك عند مشاركة خمسة عشر سعودياً انتحارياً في الهجمات التي تمت على برجي التجارة العالميين من مجموع تسعة عشر انتحارياً، ما يشكل 79% من أعداد الانتحاريين آنذاك، لقد مر أربعة عشر عاماً على اكتشاف الخلل ووضع اليد على موضع الألم ولكن الجهود على أرض الواقع مازالت أقل بكثير من المأمول، وهذا ما أثبتته الكوارث الداعشية في المنطقة حيث يشكل أبناؤنا النسبة الأعلى من المنتسبين لذلك التنظيم الفاجر.
ارتكزت الإستراتيجية الداعشية على استقطاب صغار السن مستغلة شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يبدي الصغار استعدادهم لتنفيذ الأوامر حتى أصبحوا لقمة سائغة لهذا التنظيم. إن أعمار الشباب المستهدف تتراوح ما بين 19-20 عاماً، فقد تشكلت لدى هؤلاء الشباب ذهنية تكفيرية هي نتيجة جذور فكرية ترتكز عليها الذهنية المتطرفة، والمفاجأة أن غالبية أولئك المنتمين للتنظيم قد كانوا في عمر ما قبل المدرسة عندما حدثت كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وكان هناك يقين بمدى مسؤولية الفكر الديني المتطرف عن تلك الحادثة لنعود بعد أربعة عشر عاماً من تبين موطن الخلل لنقول، لماذا وكيف حدث ذلك؟!
استخدمت داعش مفهوم الولاء والبراء في استغلال هؤلاء الصغار كوسيلة لإحراقهم وتفجيرهم، ما يثبت إن التعديل الذي طرأ على المناهج التعليمية عندما تم حذف ذلك المفهوم من محتواها كان تعديلاً شكلياً لا بنيوياً!.
إن ترسيخ عملية إطلاق الأحكام على الآخرين المختلفين عنا دينياً بالتحديد والإيحاء برفضهم هي من أهم مسببات التطرف الديني الذي وصل إلى حد التوحش، هل هو ذنبهم لأنهم ولدوا مختلفين عنا بالدين؟ لقد خلقهم الله هكذا مسيحيين أو يهودا أو بوذيين أو هندوساً أو سنة أو شيعة أو لا دينيين، فإذا كنا نؤمن بالعدالة الإلهية يجب علينا قبول ما خلقهم الله عليه من تنوع واختلاف واحترام إنسانيتهم من منطلق الإيمان بالحكم الإلهية.
إن الهجمة الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية على مجرمي الشبكات الإلكترونية واصطيادهم وتقليم أجنحتهم ومنعهم من التحليق في الفضاء الإلكتروني تعتبر خطوة إيجابية حيث تم فيها القبض على 144 شخصاً من مروجي الفكر الداعشي ومن مجندي العناصر الشبابية من خلال حسابات تويترية أمثال حسابات: داعشي وافتخر، بعت الدنيا، جنون الاستشهاد، جليبيب الجزراوي (من هدد ناصر القصبي بالقتل بعد نشر حلقات من مسلسل سلفي عن داعش)، غربه?، حزام ناسف.
إذ نقدر جهود الوزارة في تلك الهجمة ولكن لا تستطيع قوة في الأرض ملاحقة محلقي الفضاء الالكتروني بشكل مستمر، فإصلاح الفكر الداخلي هو المرتكز والتحرك الجاد هو المغزى وغربلة المناهج والمؤسسات الفكرية الدينية هو المقصد، والتحرك المقصود يجب أن يكون حركة تصحيحية وعلى مستوى قيادي عال في الدولة بحيث تعطى الفرصة لجيل شبابي متنور يقوم على قيادة المؤسسات الدينية، يبادر في إعادة صياغة الخطاب الديني بطريقة ينسجم فيها مع التطور التاريخي ويتم تفسير النصوص الدينية بأسلوب يتناسب مع متطلبات العصر وحقوق الإنسان، فالتهديد الأعظم أصبح ينبع من داخل الوطن، من أبنائه!.