أمل بنت فهد
قياس التطور الاجتماعي في أي مكان يمكن أن تبدأه من أحاديث المجالس العامة.. هناك للأقنعة ألوان وأشكال.. حيثُ لا أحد كما يبدو.. إنما يرسم بحرص شديد صورة نمطية عنه.. لذا يكثر خلاله الكذب وادعاء الشرف والتدين والفضيلة.. فالأحاديث العامة هي مساحيق التجميل التي تخفي دمامة الواقع.. والعيوب التي لا يريدها الإنسان أن تظهر.. إما خوفاً من الرفض.. أو خجلاً من واقعه.. ومن الغباء أن تحكم على مجتمع بأنه فاضل أو سوي حسب ما تسمعه.. فالقول لعبة الإنسان الأزلية التي يماري بها حقيقة أنه تافه أو مريض أو منحرف أو ببغاء يردد ما سمعه دون أن يكون له رأيه الخاص.. لكن عندما يستطيع الفرد أن يقول ما يريده دون خوف وتختفي الحدود.. ويعلو سقف الحرية اللفظية دون تبعات.. هنا ستجد الحقيقة والتقدم والتطور.. والفرق كبير بين لباقة الحديث وأدبه.. وبين تصنيف الأفكار لتكون لها تبعات يمكن أن يطير منها رأسك ويهدر دمك.. وهذا مستوى عالٍ من التفاهم قد نصل إليه يوماً ما..ودونه نحن في حفلة تنكرية لا تنتهي.
وإذا كان الكذب ابن الخوف.. فإن التطفل حفيد الوصاية ووريثها الشرعي.. وفي المجتمع الخاضع لهيمنة الوصاية.. البعيد عن الثقافة.. تجد تناقضاً غريباً في تصنيف الأسئلة المحرمة.. فمن جهة يستطيع أي أحد أن يخترق خصوصيتك ويقذف سؤالاً خاصاً.. لو نطق به طفل لقلت له «عيب أن تتدخل في شئون الآخرين».. بينما هناك أسئلة محرمة وخطيرة لا يجوز الخوض فيها.. ومحورها حديث نفس ليس أكثر.. حتى لو كانت تؤرقك.. لك أن تبحث بصمت.. وتقرر بصمت!
ولو سألت نفسك عن آخر حوار صريح حضرته.. أو كان مستواه راقياً ويمكن أن يسمى حواراً فكرياً هادئاً.. سأترك الإجابة لنفسك أيضاً.
الحوار أن تترجم ما يختلج في صدرك وعقلك دون مراوغة أو خوف.. وليس ما يطلبه المستمعون.. وقبل أن يبدأ الحوار علينا أن نعرف الهدف منه أولاً.. وإلا كان محض عبث.
هل لدينا أزمة فكر.. أم شح معلومات.. أم كارثة احترام لرأي الآخر.. يبدأ الحوار بهدوء.. ثم تتداخل الأصوات وترتفع.. وربما تشتبك الأيدي.. وينتهي بالشتائم أو الاتهامات!
وإن كتب للحوار أن ينتهي بسلام.. تأتي مرحلة تحليل ما قيل وما كان.. ليبدأ صراع المعلقين والمشاركين بعد أن رفعت الجلسة!
الحوار إما أن يكون إنسانياً.. أو تهريجاً.. لا يوجد منطقة وسطى.