د. خيرية السقاف
آلاف البشر يقضون على مدار الساعة، تتعدد أسباب موتهم، وتختلف ظروفه،..
وكما أن الفقد موجع، ومحزن، إلا أنه يكون بليغاً حين يموت عالم جليل، له بصماته، وأدواره، ومنجزه..
ولعل أشد حاجة إليهم في الراهن علماء اللغة العربية، حبيسة أهلها، والمنافح عنها حماتها القلة من المعاصرين، الذين إن غابوا يكون غيابهم فقداً، فكيف إن فُقد من لا يعوَضون في علمهم, ولا بذلهم، ولا دأبهم، ولا صدقهم, ولا ثراء عطائهم، ولا بليغ أثرهم..؟!
أولئك قوم أسسوا ولم يتوانوا، وأعطوا ولم يبخلوا، ودأبوا حتى آخر رمقهم..
يأتي منهم العلامة الشهير رائد علم اللغة الحديث كمال بشر «شيخ اللغويين» من هو أحد «حماة العربية»..
ولعل أدواره في بحوث العربية، وتطبيقاتها، وفي مجمع اللغة العربية ومراكزها، وفي التأليف فيها وتعليمها، وفي الدفاع عنها وتطوير أساليب خدمتها وتوثيقها ما يشهد بأن معقلها قد خسر بوفاته أحد أهم حماتها ورجالها..
كان مرجعنا، وأستاذنا، ومن رفدنا بأعماله، وشملنا بمعارفه وثقافته، وعزز انتماءنا إليها،
«كمال بشر»، فيما علم، وثقَّف، ودرَّس وأعطى، في نخوته نحو العربية، وغيرته على ضياعها بين أهلها، وحرصه على مد الجسور بها بين المختصين فيها، وعامة المستفيدين منهم، وإنشاء حوار بين مجامع اللغة العربية, والشرائح المختلفة الممثلة للقنوات الموصلةِ معارفِها، وعلومِها، وثقافتها للجميع،
مضى..
مضى عن تسعة عقود جُلُّها منكفئا على محبرته، وقرطاسه، رافعا رايته وصوته، بين أروقة الجامعات، ومدرجات الدرس، ومراكز البحث، ومنابر القول فيها..
مضى اسمٌ جليلٌ مهابٌ في علوم العربية، هذه اللغة التي بفقده قد خسرت فذاً من حماتها..
في القاهرة، في يوم الجمعة الماضية انطفأ مصباحه، واستوحشت قراطيسه، وخلا مقعده..
لكنه سيبقى في ذاكرة العلم، والمكتبة، وصدور المريدين..، وليالي المكتسبين..
رحمك الله دكتور «كمال بشر»، فقد آنست سواد ليالينا بأنوار بياض عطائك..
جعلك في الفردوس الأعلى، وأجري لك الأجر سريان نور علمك الذي تركت، في دراساتك للعربية، لغتها، وأصواتها، وعلومها، وتفكيرها،..
وفي عملك في مواقع مظانها..،
وحملك عبء نيابة مجمع اللغة العربية حتى رمقك الأخير، كأمثل نموذج للعطاء، والدأب، والبذل للمسؤولية بسخاء أقرانك الذين لا يتكررون.
وأنت لن تتكرر أبداً.
عزاؤنا للعربية فيك موجع، وفقدها لك محزن، وغيابك عنها موحش.. وعنا.