م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - رفع المجتمع العربي من قيمة الإبداع الشعري لذلك عُد الشعر ديوان العرب.. وعُلِّقت فرائد الشعر على أستار الكعبة بعد إقامة المنافسات له وللشعراء في أسواق العرب المشهورة التي كانت تتوافد عليها القبائل من كل حدب وصوب.. فصار الشعراء لسان القبيلة والمتحدث باسمها الذي تقدم به نفسها للمحيط وتوثق من خلال شعره تاريخها.. فلم يزاحم الشعر والشعراء أحد طوال التاريخ العربي.. مقابل ذلك فقد تم إغفال الإبداع السردي ونُفي عن أن يكون إبداعاً، واستمرت الرواية حكاية ولا يزيد دورها على التسلية ويسمى الراوي لها حكواتي.. وإذا كان راوي الشعر له مقام رفيع من الاحترام فالحكواتي لا يزيد على أن يكون مهرجاً مسلياً.. لذلك لم تستحق الروايات في التراث العربي حتى التدوين.. مما جعل قصصاً مثل ألف ليلة وليلة وسيرة عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي تدور في المجال الشفهي لقرون ولم تدون إلا في مراحل متأخرة.. بل إن من دَوَّنها وكأنه يريد أن ينزه نفسه عن فعل مشين لم يذكر اسمه على التدوين.. فلا أحد يعرف على وجه التحديد من أبدع تلك القصص والسير ولا أحد يعرف من دَوَّنها.. إلى أن قامت المجتمعات الأوروبية في عصر النهضة بقراءة تلك المدونات السردية وأعادت اكتشافها وإعطاءها قيمتها التي تستحقها.. بما فيها من خيال وإبداع ورمزية وحكمة في مرويات فيها حبكة متقنة مما جعلها ذات قيمة عالية في التراث الإنساني.. فبدأنا بالتفاخر بها.
2 - في زمننا المعاصر انزاح عن كاهل السرد وزر التلويث والإبعاد من دائرة الإبداع.. بل إننا نرى أن الرواية اليوم هي ديوان العرب وليس الشعر.. فالشعر تعرض للتجزئة والتصنيف ولم يعد الشعراء والمهتمون بالشعر يتفقون على ما هو بشعر وما ليس بشعر، بل لم يعودوا يتفقون على من هو الشاعر!.. وأصبحت معارض الكتب تزخر بالروايات والمهتمين بها مقابل حضور ضعيف للشعر والشعراء وقلة المهتمين.
3 - أما وقد انزاح عن كاهل الرواية تلك العنصرية الإبداعية التي بلا أساس والتي حرمت الثقافة العربية من قرون كان يمكن أن تتراكم فيها إبداعات السرد العربية.. نأمل أن نبدأ في مجتمعنا السعودي في إزاحة العنصرية عن بقية الفنون الإبداعية الإنسانية.. فالموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية والتصوير والنحت والسينما وتنسيق الزهور فنون إنسانية لا تخرج إلا من مجتمعات مبدعة.. لنطلق العنان للفنون والإبداع ونعطيها مساحة أكبر في حياتنا.