د.خالد بن صالح المنيف
كان فتى نجيبا، أجمع معلموه على أن مستقبلا مشرقا ينتظره، أنهى دراسته الثانوية بتفوق وبعدها التحق بكلية الطـــب وتخصص في الأمراض العصبية والعقلية والنفسية،تعلم ومارس جملة من الوسائل العلاجية للمتاعب النفسية من استرخاء وتنويم ذاتي وتعرف على كل أنواع العقاقير المهدئة للأعصاب وكان يعالج العشرات من المرضى يوميا..
وبعد الأربعين أحس بدأت حياته تتأزم حيث تكاثرت الضغوطات النفسية عليه فلم يعد يذق للنوم طعما، اندفع نحو وسائل العلاج النفسي والعقاقير والأساليب المتنوعة كي يخفف من حدة هذا الآلام النفسية ويحجم من الضغط العصبي الذي يعاني منه وللأسف لم يجد إلا تغيرا لحظيا لم يصنع فارقا في حياته!
قرر أن يغُرق نفسه في العمل والأنشطة الاجتماعية فأصبح لا يرفض دعوة ولا يعتذر عن مناسبة، حتى أدمن السهر وبعد فترة من الزمان وجد نفسه قد تورط في متاعب جديدة وقد أنشبت الضغوطات والقلق أنيابها في روحه وجسده.
وكانت لذات آنية يتبعها ألم طويل... بدأ يخاف على مصيره ومستقبله.. وكانت أعظم ما يسبب له الألم هو خوفه من الموت فكانت كل محاولاته السابقة بمثابة أساليب هروب يائسة عمقت من المشكلة وجعلته كقارب صغير تتلاعب به الأمواج وتلهو به الحيتان...
وبعد رحلة ضياع طويلة اهتدى إلى أن الإيمان بالله هو المخرج الوحيد من كل تلك المتاعب وتيقن أنه نبع السعادة الأول والأهم في هذا الحياة وهو الذي يعطي المعنى الحقيقي للاطمئنان وراحة البال وهو الأمل الضاحك المشرق المبشر بحياة أخرى أجمل وأروع من هذه الحياة القصيرة، وقد تأكد له بما لايدع للشك أن الإيمان بالله والتزام تعاليم الكتاب والسنة هما المحرران من جميع العقد النفسية والآلام الداخلية والسهر الطويل والقلق الدائم والخوف الذي لاينقطع، لقد حرره الإيمان من عقدة الموت وعقد النقص وحب الجاه والمركز،حرره من عقدة هم الرزق ومستقبل أسرته، حرره من عقدة عبادة المال والركض خلفه، فصار ينام قرير العين خال الفؤاد لا يخاف الموت من سكتة قلبي ولا بنزيف دماغي صاعق ولا جلطة في الدماغ ولا تورم سرطاني ولا برصاصة طائشة ولا بحادثة عابرة ولم يكن يدرك كل هذا إلا بعد أن تشرّب معاني الإيمان العميقة ومعها أدرك أن الموت هو مجرد انتقال من حياة زائلة إلى حياة فاضلة خالدة.
كيف لا وهو يردد دائما {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى}، ويقرأ {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً}.
أصبح لا يخشى أحدا وقد جزم أن قوله تعالى (وكان بالمؤمنين رحيما)ماكانت لتضيعه وقد سلم أمره لقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً }.
أدرك مع تلك الإيمانيات أن أسراب القلق وجيوش الخوف لن تُقطع من جذورها إلا باللجوء إلى الله فالمسكنات والمنومات حلولا وقتيا لاتسمن ولاتغني من جوع.
ولم تعد أسرته تشعر بالخوف منذ أن واظبوا جميعا على الصلاة وأدركوا معنى (الله أكبر) لم تعد أسرته عرضة للنوم المتقطع ولا للكوابيس المخيفة أو الاندساس في فراش والدتهم ليشعروا بالأمان..
تخلص من كل تلك الأوجاع والاوصاب بالإيمان، وهو على أعتاب الخمسين عندما سلم أمره إلى خالقه ورازقه أمن به ورضي بما قضى وبعد تلك التجربة وبعد سنوات من الصراعات بدأ يرشد مرضاه والمتعبين نفسيا وجسديا أن سبيلهم الأول للشفاء هو الإيمان ولاغيره.
قصةٌ جميلة مؤثرة للطبيب اللبناني عدنان الشريف رواها بنفسه حاكيا رحلته من الظلام إلى النور.
ومضة قلم
الكثير يقضون أعمارهم تعساء، وليس بسبب أنهم لم يجدوا السعادة،بل لأنهم لم يتوقفوا للاستمتاع بها!