د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
)) في زمنِ اليُسر القرائيِّ والكتابيِّ حيثُ الآفاقُ مباحةٌ وربما مستباحة بدت العودةُ إلى كتب التراثِ ملمحًا ممتدًّا بين أطيافِ ذوي العُسرِ النائين عن الإسهالِ والاستسهال بمن فيهم من ناوأُوه جهلًا أو تجاهلا، وعُدُّوا رموزًا في مواجهةِ المدارسِ الثقافيةِ التقليديةَ خلال حقبةِ السبعينيَّاتِ والثمانينياتِ والتسعينياتِ من القرنِ المنتهي، ولعلَّ الوراقيين التراثيين يعلمون - فوق ما يعلمُ الآخرون- الارتدادَ «الألفينيَّ» نحوَ تآليفِ الأوائل والسوقَ العامرةَ لطبَعاتها.
)) لا يُغفلُ العاملُ التجاريُّ بين عواملِ العناية بها لكنه ليس العاملَ الأوحدَ ولا الأهمَّ، وسيبدو الفراغُ التأصيليُّ بين أجيال الباحثين دافعًا نحوها في ظلِّ الافتقار إلى مرجعياتٍ علميةٍ ومعلوماتيةٍ تكملُ القصورَ المعرفيَّ في مخرجاتِ دور النشرِ المتجهةِ نحوَ الروايةِ والطبخِ والوعظ والخواطر، ومعظمُها لمؤلفين شبابٍ يدفعون مبالغَ متفاوتةً مقابلَ النشر لهم، ولو توقف هؤلاءِ عن التأليف لأغلقت بعضُ الدورِ أعمالها.
)) استفادت أجيالٌ من الحضور التراثيِّ فتأسسوا في المدرسة والنادي والجامعةِ والجامعِ،وانعكس شيءٌ من ذلك على لغة أعدادٍ منهم وأساليبِهم وبنائهم التحصيليِّ،وأدرك نابهو الجيلِ الحاليِّ الأزمة التي ستواجهُهم لو اكتفوا بقراءةِ ما تيسَّر أمامهم، وظهر فيهم من أضاف إلى وسائطِه التقنيةِ-وهي مصدرٌ معلوماتيٌّ ثرٌّ- كتبَ التراثِ الأصيلة والكتبَ التي تدورُ في مسارها، وربما عُدَّ هذا انكفاءً ثقافيًّا، وهو كذلك إذا فُهم بمعنى الانعزالِ عن المنتجِ الفكريِّ المتجددِ لمن تحاصرُه الأوراقُ الصّفرُ فيجدُ فيها المأوى والسلوى.
)) لا جدال حول اتساعِ أذهان الأجيال الجديدةِ لما يفوقُ ما اتسعت له أذهانُنا وآبائِنا حتى بتنا تلاميذَ صغارًا أمامهم، وربما لحق ركبَهم من أيقن ألا حياةَ لمن جفته أجهزةُ العصرِ وبرامجُه،وينالُ الحسنيين من جمع التلادةَ والطَّرافة فأتقن ضغطَ الأزرار وتقليبَ الورق.
)) تبقى القراءةُ التراثية والمعاصرةُ علاجًا نفسيُّا ناجحًا لمن شاء الهرب من ذاته نائيًا عن إحباطاتِ الواقعِ الخاصِّ والعامِّ إذ لا حلَّ يملكُه الفردُ تجاه تأزماتهما المخيفةِ التي يصعبُ معها التنبؤَ بإرتاجٍ أو انفراجٍ، مثلما تؤذي المتابعةُ الدائمةُ التقاطًا لخبرٍ قد يسرُّ أو قيدٍ ربما يتحررُ أو أزماتٍ مزمنةٍ آن أن تلدَ البشائرَ وتختصرَ الخسائر.
)) يبقى شجنُ الكتابِ في مَعارضِه ومُعارضيه؛ فمعظم جديدِه كثٌ وغَث، وأكثر قديمِه أمسٌ ورمس، والرقيبُ ينفخُ في نَفْسه الروحَ بالرغم من يقينه بموته السريريِّ وعبثيته العملية.
)) المؤلفُ يحتاجُ - كما قال القصيبي- أن يقرأ مئة صفحةٍ كي يكتبَ صفحةً واحدة،والناشرُ ذو رسالةٍ لو وعاها لنأى عن المتاجرةِ معتمدًا معاييرَ موضوعيةً لقبول العمل أو رفضه،وعلى من يُشيطنون الكتبَ أن يربعوا على أنفسهم قليلًا؛فالرأيُ يضادُّه مثله ويردُّ عليه كما يُجيبُ عنه كتاب.
)) الكتبُ امتزاجُ ذاتٍ بسماتٍ وجديدٍ بقديم وقولٍ بنقيضٍ تتجاورُ على أرفف مكتباتنا بسلام وتتحاورُ بهدوءٍ ولا يعنيها هُويةُ مساكنيها أجاءت من الغرب أم من الشرق، وسواءٌ أَعتنقت مبادئَ متقاربةً أم متحاربة.
)) الكتابُ مَعلمٌ ومُعلِّم.