عروبة المنيف
الجرح ينزف، والأنين يتصاعد، والضحايا تتساقط في أطهر الأماكن وأقدس الشهور وأفضل الأيام، والعيون تدمع وتترقب متوجسة متسائلة: ماذا سيحدث في الجمع القادمة؟ هل نذهب إلى المساجد للصلاة؟ أم نصلي في بيوتنا بأمان؟ فالوحوش الداعشية لم تعد تفرق بين مصلين عابدين مسلمين في أماكن العبادة، يتضرعون تقرباً إلى الله وسياح أجانب مسيحيين مسالمين، أتوا لبلاد الإسلام ناشدين السلام والاطمئنان والاستجمام على الشواطئ، الجميع سيان عندهم، هدفهم المعلن والمبطن هو التوحش وبث الرعب والخوف والهلع بين البشر دون اعتبار لعرق أو جنس أو ديانة أو مذهب أو حرمة مكان!
عندما تعرف عدوك وأهدافه تستطيع أن تبني استراتيجية محكمة ومنيعة، وإن كانت طويلة الأجل، المهم البدء وشحذ الهمم حتى نتبين ما الذي أوصلنا إلى هذه الحال؛ إذ ينسف المواطن روحه وروح أخيه في الوطن بوحشية وفظاعة، لا يمكن بها التصديق أن هذا المتحزم كان قد عرف يوماً معنى الحب والأخوة والبذل والعطاء، أو حتى عرف معنى الإنسانية أو الوطنية!
كيف وصل أبناء الوطن إلى هذا الدرك من التفكير العدواني تجاه أوطانهم وتجاه إنسانيتهم؟!
المؤلم حقاً هو الثقافة التي يؤمن بها أولئك الناسفون من تقديس للموت والهرولة إليه وتحقير للحياة. لقد نُشر منذ سنة تقرير يؤكد أن السعوديين هم حطب داعش، وما زالوا لهذا اليوم حطبها وبامتياز!!
وضع أيدينا على الجرح وهو ينزف مؤلم حقاً، والمباشرة بعمل جراحي سريع سيؤلم أكثر، لكنه إجراء ضروري وحتمي، لا شك ستتضرر منه فرق، وستسخط جماعات، ولكن التحرك السريع واجب من أجل إنقاذ الوطن وأبناء الوطن.
ما فتئنا نضع اللوم في مصائبنا وكوارثنا وحروبنا على العدو الخارجي، أمثال إيران، ونؤكد أن هناك لعبة دولية أبطالها الموساد الإسرائيلي والسي آي إيه الأمريكية بهدف تغيير خريطة المنطقة لتحقيق مصالحهما الإقليمية والدولية..! لا ننكر دور العدو الخارجي، ولكن وجب علينا إصلاح بيتنا من الداخل وحمايته بالعوازل والخرسانة المسلحة أولاً. يجب أن نعي أن هناك عدواً داخلياً يعيش بين ظهرانينا، يتجسس علينا، تلعب أصابعه النجسة بفكرنا وبمناهجنا وبثقافتنا، يلعب على الوتر الديني حسب ما تقتضيه مصالحه الشخصية ونواياه الخبيثة واضعاً الطعم لأبناء وطنه ليجرجرهم إلى دهاليز الموت والإجرام. لقد أصبح التحرك السريع ملحاً وضرورياً على جميع المستويات، سواء مؤسساتية أو ثقافية أو اجتماعية أو إعلامية أو دولية. من الضروري أن يشتمل هذا التحرك على تأسيس مراكز بحثية متخصصة تدرس التوجهات الفكرية للشباب وتطلعاتهم المستقبلية من أجل بناء استراتيجية قوية وصلبة وطويلة الأمد؛ لأن تغيير الفكر والمنهج والثقافة يتطلب زمناً لجني ثماره، والوقت قد حان الآن للبدء، فلا تترك تلك المهام لمعاهد الدراسات الأجنبية لتكشف لنا عن كوارثنا! لقد قام معهد بروكنز الأمريكي للدراسات بعمل بحث يؤكد انتصارات داعش الإلكترونية والمنهجية؛ إذ تطرح الدراسة التساؤل الآتي: من أين تأتي غالبية التغريدات المؤيدة لداعش على تويتر؟ قام المعهد بتحليل 20000 حساب ليتبين لهم أن غالبية التغريدات المؤيدة لداعش لعام 2015 مصدرها السعودية بعدد 866 حساباً، تليها سوريا ثم العراق! تلك الينابيع التويترية التي تضخ الفكر الداعشي تنهمل وبشكل جارف، والخشية أن تغرقنا معها.
الكارثة الوطنية العظيمة ما نشرته صحيفة الوطن منذ أيام، التي كشفت عن إحصائية تؤكد أن هناك 3908 إرهابيين من 41 دولة في قوائم الإرهاب، منهم 3285 سعودي الجنسية؛ ما يشكل نسبة 86 % من الإرهابيين المطلوبين، وهذا مؤشر خطير يستدعي تعليق الجرس!
إن التحرك باتجاه القضاء على العدو الداخلي يجب أن ينطلق بإيمان قوي وقناعة تامة من أولي الأمر في الدولة بأهمية تغيير المنهج الفكري السائد؛ ليشمل جميع المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية المروجة لثقافة الموت والتكفير والجهاد والعنف والتمييز، ويكون التحول مفصلياً وشاملاً وبإرادة قوية وقناعة تامة بأن العدو الحقيقي ينبع كسيل من داخل مؤسساتنا وأروقتها زارعين بذورهم النجسة التي يسقونها بدماء أبنائنا مستغلين الدعم المغدق عليهم، سواء كان دعماً مادياً أو معنوياً.