عروبة المنيف
درج استخدام مصطلح «نسيج» وطني بشكل كبير، وفي سياقات مختلفة سواء كانت أدبية أو غير أدبية، وقد تراءى إلى ذهني ذلك المصطلح مع زخم المقالات والتعليقات الخاصة بإسقاط مجلس الشورى مناقشة مشروع «قانون الوحدة الوطنية» وأخذت أفكر كيف يكون الوطن «نسيجاً»؟.
كلمة «نسيج» تعبرعن مجموعة من الخيوط المتشابكة التي تم غزلها وحياكتها، ويتكون النسيج من عملية إنتاج وغزل الصوف والكتان والقطن والحرير «طبيعية» أو من النايلون والأكريليك «صناعية»، وحتى يأخذ النسيج حلة بهية يتم اختيار مواد نسيجية مناسبة لتلبية متطلبات الأداء. وتعتبر خيوط النسيج هي اللبنة الأساسية في عملية النسج فالخيوط النسيجية يجب أن تكون بمتانة وجودة عالية حتى تتناسب مع بعضها في طريقة نسج انسجامية لينتج عنها أقمشة متينة قوية وجميلة تتناسب ومتطلبات السوق.
يبدو أن إسقاط مشروع «الوحدة الوطنية» في مجلس الشورى وبالأغلبية أدخلني في طور من الهلوسة فولجت كثيراً في «النسيج القماشي» بدلاً من «النسيج الوطني»!!.
إن وطننا ككل الأوطان مغزول ومنسوج بواسطة مجموعة مختلفة من الخيوط المختلفة، ولتكون عملية النسج بديعة يجب أن تحاك بعناية خاصة وبدرجة عالية من الوعي.
إن الحفاظ على مكتسباتنا من هذا النسيج الوطني ضروري من أجل الاستمتاع ببهائه ورونقه وديمومته، فهذا الحجازي وذاك النجدي والشرقاوي والشمالي والجنوبي وذلك السني وهذا الشيعي و..، إنهم مجموعة من الخيوط المتينة التي كونت نسيجاً قوياً على مر السنين، وتداخلت لتشكل لنا هذا» النسيج الوطني» البديع الذي يصبح الحفاظ عليه واجبا ومطلبا وطنيا فلا تخترقه مذهبية أو طائفية أو عنصرية أو مناطقية.
إن الحفاظ على الوطن ينبع من حبه والولاء له ويدعم هذا الحب ولاة الأمر عن طريق تزيين ذلك النسيج بألوان زاهية وإضافة التقنيات التي تعمل على تماسك وقوة النسيج، تلك الألوان والتقنيات هي القوانين والأنظمة والإجراءآت والسياسات التي تفرض للحفاظ على تماسكة وترابطه وبهائه.
عندما توحدت المملكة على يد المغفور له الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ترابط ذلك النسيج وتداخلت خيوطه وأصبح متيناً بفعل عوامل عديدة منها العزيمة والقوة والإرادة والذكاء في تحقيق الإنسجام بين المدن المفتوحة والقبائل المتناحرة المتناثرة؛ حيث كانت الأوضاع آنذاك موائمة للبدء في حياكته وتقويته بعناصر تجمع بين الحب والألفة والقوة والعزم، لقد اختلف الوضع الآن مع عملية التقادم، وهذا وضع طبيعي تعاني منه كل الأوطان، لقد دخلت على النسيج عوامل التعرية التي بدأت باختراقه والتغلغل فيه فبدأت الألوان تبهت والخيوط تضعف، لقد اجتاحتها حشرة» العثة» والعياذ بالله التي تدخل في الأنسجة فتدمرها، إن العثة هي داعش والقاعدة ،إنها الطائفية والعنصرية والمناطقية، لقد آن الأوان لتحركات مفصلية من ولاة الأمر فيعملوا على فرض القوانين والأنظمة والسياسات ويضعوا الإجراءات اللازمة للقضاء على تلك «العثة» التي إذا تركت بدون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة ستجهز على النسيج وتأكله وتجعله مهلهلاً مهترئاً.
إن فرض قانون أو مشروع أو نظام «لا يهم المسمى»للوحدة الوطنية بمثابة درع واق لنسيجنا الذي الذي نريد المحافظة على متانته وقوته وتماسكه وجماله حتى يستطيع مقاومة أي هجوم مهما كان قوياً فنسيجنا أقوى وحصانته عالية.
سيصبح المواطن أقل عرضة للاختراق وأقوى في مواجهة الأخطار التي تفوح منها روائح الخيانة والغدر حيث تعرض الأوطان للبيع في المزادات العلنية فيصبح النسيج مهلهلاً ومخترقاً وسيكون حينذاك «الشق أكبر من الرقعة»