م. خالد إبراهيم الحجي
جاء استقبال وسائل الإعلام الخليجية لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى فاترًا لأنه لا يمنع إيران منعًا قاطعًا من حصولها على السلاح النووي بل يؤجله إلى المستقبل، ولم تخلُ بعض التعليقات المقتضبة من تخوفها من أن تتمادى
إيران في إثارة القلاقل وأن تعبث في المنطقة أو تعيث فيها فسادًا حسب أهوائها المذهبية المتعصبة وذلك بعد حصولها على حق التخصيب بالإضافة إلى رفع العقوبات الاقتصادية عنها واسترجاعها لـ100 مليار دولار قيمة أصولها المجمدة في أمريكا وأوروبا، بغض النظر عن الرأي العام الخليجي أن يكون مع الاتفاق أو ضده لأنه لا يجدي نفعًا أو ضررًا بالنسبة لها، لأن الاتفاق أصبح حقيقة وسيتم تنفيذه على أرض الواقع، واعتبار أن الاتفاق خطأ تاريخيًا هو اقتباس من كلام نتنياهو رئيس وزراء العدو الإسرائيلي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة عندما عرض صورة تجسد القنبلة الذرية الإيرانية المكتملة التصميم عدا رأسها النووي ورسم خطًا باللون الأحمر يوضح الفاصل بين جسد القنبلة ورأسها النووي الناقص، ليثبت للأمريكان خاصة وللمجتمع الدولي عامة أن إيران أصبحت قريبة جدًا من إنتاج القنبلة الذرية ولم يبق إلا الجزء اليسير، أي رأسها فقط الذي يقع فوق الخط الأحمر، كما وضح خطورة ذلك الاتفاق بأنه سمح لإيران - وهي أخطر نظام في الشرق الأوسط بعد إسرائيل - بأن تحصل على أخطر سلاح تمتلكه الدول، وحديث نتنياهو في الأمم المتحدة عن مدى قرب إيران من إنتاج القنبلة الذرية أصدق من حديث الرئيس أوباما عن البرنامج النووي الإيراني، فالأول (نتنياهو) يحذر من خطر إيران وحجته أن تكبيل البرنامج النووي الإيراني لا يعني إلغاءه أو القضاء عليه وإنما هو تقييد مؤقت لن يجدي نفعًا في المستقبل لذلك يجب تدميره تدميرًا شاملاً بالقضاء عليه نهائيًا، والثاني (أوباما) وهو معروف بسياسته المتميعة ورئيس أكبر دولة تكيل بمكيالين يحرص على اتفاق نووي مع إيران بحجة أن العقوبات الاقتصادية ستطبق على إيران إذا انتهكت بنود الاتفاقية، بينما الحقيقة أن توقيع الاتفاقية مع إيران يأتي في سياق سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها أوباما في منطقة الشرق الأوسط، لذلك يجب أن يطرح المخططون الإستراتيجيون السعوديون السؤال التالي بقوة: ما الرؤية المستقبلية لإيران بعد التقييد المؤقت لبرنامجها النووي ورفع الحصار الاقتصادي عنها؟ حيث لا يخفى على الجميع أن إيران خلال مدة تطويرها لبرنامجها النووي ومع فرض العقويات الاقتصادية عليها التي دامت لأكثر من عشر سنوات استطاعت بالرغم من ذلك أن تحقق أكثر من مجرد إثارة القلاقل والفساد والتخريب في المنطقة، بل وصلت إلى حد التدخل السافر والتحكم الشديد في سياساتبعض الدول بالدعم المادي والإمداد بالسلاح والتخطيط والتدريب العسكري، بل والمشاركة الفعالة بقوات عسكرية إيرانية، فقد ابتلعت الجزر الإماراتية الثلاث، ومحاولة تحويل الخليج العربي إلى خليج فارسي، ودعمت حزب الله في لبنان ليكون ذراعًا سياسيًا وعسكريًا مخلصًا لها، واستقطبت سوريا لتكون وكيلاً لها على سواحل البحر الأبيض المتوسط، وسيطرت على الحكومة العراقية وجعلتها قوة شيعية في مواجهة المذهب السني، وأسست حزب أنصار الحق الحوثي ليكون ذراعًا سياسيًا وعسكريًا لها في اليمن، وأثارت الفتنة الطائفية في البحرين. لذا فإن الجواب على السؤال المطروح يتطلب صدقًا مع النفس وبصيرة استراتيجية نافذة ومنصفة لأن إفساد إيران في المنطقة لم يتوقف حتى عندما كانت إيران محاصرة اقتصاديًا، ولن يتوقف إفسادها في المنطقة بل سيزيد بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها لأن أوباما نفسه قد اعترف بذلك ضمنًا عندما أكَّد أن الاتفاق لا يلغي كافة التهديدات الإيرانية لجيرانها وخصوصًا في الدول العربية، بل إن الاتفاق النووي الإيراني الذي رفع الحصار عن إيران سيستفيد منه كلا الطرفين اقتصاديًا وعسكريًا لبناء القوات المسلحة الإيرانية لتحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة، كما أكَّدت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية أن الاتفاق بداية مرحلة من التعاون المشترك بين إيران والأطراف الدولية، ومن وجهة نظري الخاصة يعد تسويغًا وتبريرًا لعبث إيران في المنطقة وخصوصًا في الدول العربية، لذلك يجب على الدول العربية أن تعيد النظر والتأمل في الرؤية الاستراتيجية المستقبلية التي ستتبناها إيران بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهنا يكمن جوهر الجواب على السؤال المطروح: ما الرؤية المستقبلية لإيران؟ والجواب أن إيران ستستمر في تحقيق أهدافها التوسعية المذهبية بل ستزداد سعارًا بالتدخل والتحكم والعبث والعربدة في المنطقة لأن أهدافها التوسعية جزءٌ لا يتجزأ من رؤيتها الإستراتيجية في المنطقة، وتحقيق أهدافها التوسعية المذهبية لن يكون من خلال هالة السلاح النووي وصورة القوى العظمى وإنما ستحقق بقوة السلاح التقليدي، أي أن إيران ستستفيد من الفائض المالي نتيجة التقييد المؤقت لبرنامجها النووي، وستستفيد من ثروتها الوطنية بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها لتعزيز قدراتها القتالية التقليدية خلال مدة سريان الاتفاقية النووية لمجابهة القدرات القتالية للسعودية، لعلمهاأن السعودية لن تتوقف عن إنفاق مليارات الدولارات في سبيل تحسين وتطوير قواتها المسلحة التي آتت أكلها في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، لذلك يجب أن تقف السعودية وقفة جادة وصادقة لتسأل نفسها ما أهدافها الإستراتيجية خلال مدة سريان الاتفاق النووي الإيراني وبعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها؟ وكيفية التعامل في ظل الاتفاق النووي الإيراني، كما يجب أن يضع المخططون السعوديون في اعتبارهم أن التقييد المؤقت للبرنامج النووي الإيراني لا يعني إلغاءه أو القضاء عليه، وبالتالي كيف يمكن للسعودية أن تستفيد من فترة سريان الاتفاق النووي الإيراني بعد أن عرفت يقينًا رؤية إيران الاستراتيجية واتضحت أهدافها التوسعية المذهبية في المنطقة؟ وللجواب على هذا السؤال نقول إن الاستفادة السعودية من الاتفاق النووي الإيراني يجب أن تكون وفق الرؤية الإستراتيجية العليا للسعودية، وحسب برنامجٍ زمنيٍّ صارمٍ ضمن الإطار الزمني لتكبيل البرنامج النووي الإيراني ليحقق الأهداف التالية الأول: تأسيس برنامج لإعداد الكوادر السعودية في مجال الطاقة الذرية كي تتحقق نتائجه خلال الإطار الزمني المعلن لسريان الاتفاق النووي الإيراني. الثاني: اختيار النخبة من الطلبة السعوديين النوابغ للالتحاق بهذا البرنامج مع كادر وظيفي خاص ومزايا مالية تتناسب مع كفاءتهم وقدراتهم الذهنية والعلمية. الثالث: بناء مراكز متٍخصصة للبحث والتطوير في مجال الطاقة الذرية في مدة لا تزيد عن الإطار الزمني المعلن للاتفاق النووي الإيراني، على أن تحاط الأبحاث الذرية بالتكتم والسرية التامة لحماية الأمن الوطني. الرابع: استقطاب علماء من مختلف أنحاء العالم في مجال الفيزياء النووية والطاقة الذرية للعمل في السعودية بمزايا مالية خاصة مع منح الجنسية السعودية للراغبين منهم. الخامس: أن يكون البرنامج النووي السعودي قابلاً للتطوير وصالحًا وجاهزًا لإنتاج أسلحة نووية تكون رادعة للبرنامج النووي الإيراني، ليكون جاهزًا مع انتهاء مدة سريان الاتفاق النووي الإيراني المبرم مع الدول العظمى. لذلك يجب علينا أن ندرك الآتي:
أولاً: إن الاتفاق النووي الإيراني أصبح واقعًا وسيتم تنفيذه وعلينا التعامل معه بناءً على هذا الأساس.
ثانيًا: إن المنشآت النووية الإيرانية ضخمة وبالغة التعقيد وقابلة لأن تتحول إلى مصانع لإنتاج القنابل الذرية في المستقبل القريب.
ثالثًا: إن السياسة الأمريكية وجميع سياسات الدول العظمى قابلة للتنكر والتحول والكيل بمكيالين وتوظيف الوسائل لتحقيق الغايات حسب مصالح تلك الدول.
الخلاصة:
إن الاتفاق النووي الإيراني ورفع الحصار الاقتصادي عنها سيستفيد منه كلا الطرفين لبناء القوات المسلحة الإيرانية لتحقيق أهدافها التوسعية، لذا يجب أن تكون مدة سريان الاتفاق النووي الإيراني كافية لبناء البرنامج النووي السعودي الرادع لبرنامج إيران النووي.