م. خالد إبراهيم الحجي
إن دخول الدولة في حرب يُعد حدثاً نادراً يجعل المؤسسات العسكرية والإعلامية تلتقي مهنياً، الذي يطرح السؤال الموضوعي الآتي: المؤسسات العسكرية والإعلامية.. أيهما يحتاج إلى الآخر؟.. والجواب ليس سهلاً لأن كل واحد منهما يحتاج إلى الآخر، فوسائل الإعلام تحتاج إلى المؤسسات العسكرية للحصول على أخبار الحرب التي تهم الجمهور، والمؤسسات العسكرية تحتاج إلى وسائل الإعلام لتعبئة الرأي العام وكسب تأييده.. ومعروف تاريخياً أن العلاقة بين المؤسسات العسكرية والإعلامية تتسم بالحيطة والحذر الشديد، فالمؤسسات العسكرية ذات بيئات مغلقة تحرص على كتم الأخبار وعدم نشرها للجمهور والمحافظة على السرية المطلقة في أداء عملها، وتطبيق نظام التسلسل القيادي بصرامة وحزم، لذلك فإن المؤسسات العسكرية لديها حساسية فائقة من وسائل الإعلام تصل إلى حد المنع من دخولهم المؤسسات العسكرية، وقد تتطور إلى حد المنع من النشر لأنه من أعظم مخاوف القادة العسكريين أن تقوم المؤسسات الإعلامية بتسريب معلومات عسكرية، قد تكشف للعدو سيناريو هجوم عسكري يُفوت على القادة عنصر المفاجأة المباغتة الذي يُعد من أقوى أسلحة الهجوم التي يستخدمها القادة في ترسانة أسلحتهم العسكرية ضد العدو، على عكس وسائل الإعلام التي يحرص أكثرها على حرية الكلمة وتتبع الأخبار وكشف الأسرار للجمهور، لذلك تحبذ العمل في بيئات مفتوحة تتسم بالحرية الخالية من سيطرة وقيود الأنظمة والقوانين، فجميع وسائل الإعلام تحرص على تتبع التسريبات الإعلامية المبكرة التي تتصف بالتميز والسبق الإعلامي، مع الاهتمام بالأخبار المؤكدة التي يحرص الجمهور على معرفتها، وتعتمد على مصادر مختلفة تتراوح بين المراسلين مروراً بالمتعاونين وصولاً إلى المحترفين، بل إن بعض وسائل الإعلام الحديثة تعتمد على الفاسدين الذين يهدفون إلى إثارة البلبلة ونشر الإشاعات المغرضة بين الجمهور، مع استثناء بعض وسائل الإعلام التي تتصف بالمبادئ الإعلامية النبيلة وتؤمن بدور رسالة وسائل الإعلام الهادفة في التأثير على الجمهور وتشكيل الرأي العام، والتي تشجعها المنافسة الشريفة على تقديم أفضل الخدمات الإعلامية المتاحة للجمهور، مثل الصحف المعتبرة والإذاعات المحلية وقنوات التلفزيون الفضائية المرموقة التي تعمل بمهنية صادقة واحترافية عالية، والتي تتمتع بالمسؤولية التي تجعلها تحمل بحق وصدق وصف السلطة الرابعة للدولة.. ودخول الدولة في عميات عسكرية مثل عملية عاصفة الحزم تُعد من المناسبات النادرة التي تلتقي فيها المؤسستان العسكرية والإعلامية وجهاً لوجه، فالمؤسسات الإعلامية، خلال هذا اللقاء النادر، تكون متعطشة لأخبار الحرب التي تشبع نهم الجمهور، وبالتحديد الأخبار التي تتصل بعدد القتلى والشهداء، والأخبار المتصلة بنجاحات العمليات العسكرية في مسرح العمليات وقدرتها على تدمير أهداف العدو، ومن ناحية أخرى فالمؤسسات العسكرية، خلال هذا اللقاء النادر، تكون حريصة على تقديم الأخبار التي تحافظ على الروح المعنوية المرتفعة للجنود المرابطين على جبهات القتال، وبالتالي تساعد في تحقيق النصر، لأن كثيراً من القادة العسكريين اليوم يدركون أهمية التغطية الإعلامية لمجريات الحرب بالصوت والصورة من خلال الاستعانة بوسائل الإعلام الحديثة لبث الثقة عند المواطنين وتنمية الوعي لحصد الدعم العام للقوات العسكرية، وعمليات تدمير أهداف العدو بالصوت والصورة تُعد مادة إعلامية مطلوبة من قبل وسائل الإعلام الحديث، وقد كشفت الصور عن درجة الدقة والإتقان التي نفذتها طائرات عاصفة الحزم بالقنابل الذكية ضد أهداف العدو العسكرية دون إصابة الأهداف المدنية والمدنيين، وقد أثارت هذه الدقة والإتقان إعجاب مندوبي وكالات الإعلام خلال المؤتمرات الصحفية لعاصفة الحزم قبل توقفها والتي تناقلت وقائعها وسائل الإعلام بالصوت والصور، فوصلت تنفيذ عمليات عاصفة الحزم إلى الجمهور بلغة العصر الحديث، فتأكدت مصداقية المعلومات التي يقدمها المتحدث العسكري في المؤتمر الصحفي عن سير معركة عاصفة الحزم لحظة بلحظة.
وفي الوقت الذي كانت وسائل الإعلام تنقل ما يدور في سماء المعركة وعلى أرض اليمن، كانت أيضاً تنقل ما يدور على الجانب الآخر من الكرة الأرضية تحت قبة مجلس الأمن، الذي أصدر قراراً دولياً بشأن اليمن تحت البند السابع، يُطالب فيه المتمردين الحوثيين بوقف العنف، والانسحاب من العاصمة اليمنية صنعاء والمناطق التي سيطروا عليها على أرض اليمن، وقد وصل هذ ا القرار بفضل وسائل الإعلام الحديثة إلى أرض المعركة في اليمن فور صدوره من مجلس الأمن في نيويورك، فكان من نتائجه أن انشقت ثلاثة ألوية عسكرية عن المتمردين الحوثيين، وانضمت إلى القتال جنباً إلى جنب مع اللجان الشعبية الوطنية ضد الحوثيين والموالين للرئيس المخلوع صالح، وقرار مجلس الأمن رسالة قوية وصارمة للمتمردين الحوثيين ترفض انقلابهم على الشرعية اليمنية والقانون الدولي، وهذا القرار الأممي بشأن اليمن يُعد انتصاراً للشرعية اليمينة، ويعطي الغطاء القانوني والشرعية الدولية لتحالف عاصفة الحزم، وانتصاراً للدبلوماسية الخليجية.. وبالنهاية مشجعاً لقرار الملك سلمان بالإعلان عن إيقاف عاصفة الحزم.
الخلاصة:
إن نتائج تحالف عاصفة الحزم التي تحققت، بدرجة عالية من الإتقان على أرض الواقع حتى الآن، إنجازات تجسِّد منظومة الترابط والتعاون والتكامل بين المؤسسات العسكرية والدبلوماسية والإعلامية لإعادة الاستقرار والشرعية لليمن.