م. خالد إبراهيم الحجي
يُقصد بالسيطرة الجوية التّحكم بشكلٍ كاملٍ على أجواء العدو، لتتمكن الطائرات الحربية المهاجمة من تنفيذ الضربات الجوية على الأهداف الحيوية للعدو بدون مقاومة تُذكر، ومن ناحية أخرى تكون الطائرات المهاجمة بعيدة عن خطر مرمى نيران الدفاع الجوي للعدو.. والسيطرة الجوية تبدأ بامتلاك الطائرات الحديثة المتطورة.. ثم السيادة الجوية الكاملة على سماء العدو، كما فعل طيران عاصفة الحزم الذي استطاع منذ الساعات الأولى أن يُدمر طائرات العدو ويخمد دفاعاته الجوية، وتعود السيطرة الجوية المبكرة لطيران عاصفة الحزم على سماء العدو إلى تحقيق المباغتة وعنصر المفاجأة مع تكثيف الغارات الجوية على مصادر النيران المعادية.
ومع أن قدرة السيطرة الجوية الكاملة على كسب الحرب البرية، ما زال محل خلاف وجدل وتباين في الآراء بين الخبراء العسكريين، إلا أن التاريخ العسكري الحديث يُؤكد الآتي:
أولاً: التفوق الجوي بوتيرة ثابتة ومستمرة يُعد مقدمة وفاتحة للنصر العسكري في الحروب الحديثة.
ثانياً: لا تُوجد دولة استطاعت أن تكسب حرباً ضد دولة أخرى تملك السيطرة الجوية الكاملة على أرض العدو.
ثالثاً: لم يحدث أن استطاعت دولة أن تشن هجوماً ناجحاً ضد دولة أخرى تملك السيطرة الجوية الكاملة على أرض العدو.
رابعاً: لا يمكن لدولةٍ أن تحافظ على تماسك دفاعاتها المختلفة ضد دولة أخرى تتفوق عليها في السلاح الجوي، أو بمعنى آخر هناك إجماع بين المؤرخين العسكريين أنه لا يمكن لدولة أن تخسر حرباً، وهي مستمرة في المحافظة على تفوقها الجوي الكامل لأنه يُمكّنها من السيطرة الجوية على سماء العدو، وبالتالي يفتح لها المجال لتنفيذ الضربات الجوية بحرية ومرونة ضد أهداف العدو الحيوية في أي مكان على مسرح العمليات مع سلامة الطائرات المهاجمة من مرمى نيران العدو، أما في حال تكافؤ ميزان القوات الجوية المتحاربة عندها يلجأ كل طرف منهما إلى تجنُّب المجال الجوي للآخر، لمعرفة كل طرف مسبقاً بقدرة وكفاءة القوات الجوية للطرف الآخر، وليتمكن أحد الطرفين، في هذه الحالة، من تحقيق السيطرة الجوية الكاملة على سماء الطرف الآخر، فلا بد للطرف البادئ أن يحذو حذو عاصفة الحزم في تحقيق عنصر المفاجأة مع تكثيف الغارات الجوية خلال الساعات الأولى من بدء انطلاق العملية العسكرية.
وكبار القادة العسكريين الذين خاضوا حروباً على أرض الواقع يُؤكدون في مذكراتهم من خلال تجاربهم الحربية السابقة على أن السيطرة الجوية ضرورية لضمان تحقيق النصر في الحرب أو لتجنب الهزيمة، ولا يُمكن للسيطرة الجوية أن تتحقق إلا بامتلاك الطيران الحديث وكفاءة الكوادر البشرية الماهرة من الطيارين المحترفين الذين يُشكّلون النخب العاملة في القوات الجوية.
والتأهيل لمهنة الطيران الحربي يأتي على رأس قائمة مختلف المهن الاحترافية من حيث التكاليف المادية، والدقة والصرامة في الاختيار، واستيفاء الشروط الصحية والنفسية الاستثنائية التي تُؤهل المرشحين للوصول إلى كراسي القيادة على الطائرات المقاتلة، كما يجب أن يخضع طلبة الطيران المقبولين لبرامج تدريب مكثفة ومناسبة وشاملة، لأن معظم الخبراء والقادة العسكريين يُؤكدون على أن التدريب ومواكبة التطبيق العملي للتعلم النظري مع التطور التقني هو مفتاح النجاح للسيطرة الجوية، ولأن مهنة الطيران الحربي من المهن التي تحتاج إلى إعداد الكوادر البشرية الماهرة المتطورة التي تتميز بالقدرات الفائقة على تقدير المواقف تقديراً صحيحاً، واتخاذ القرارات السريعة والمناسبة في الوقت المناسب قبل فوات الأوان أثناء الطيران فوق نيران الدفاعات الجوية للعدو، وأثناء المعارك الجوية مع طيران العدو.
والجمع بين الطيران بطائرات حربية متطورة وبين كفاءة الطيارين المدربين يُعد العامل الرئيس لتحقيق السيطرة الجوية الكاملة على سماء العدو، وهذا الجمع بين الطائرات الحديثة وكفاءة الطيارين، بالإضافة إلى أن عنصر المفاجأة كان من الأسباب الرئيسة للسيطرة الجوية التي حققتها عاصفة الحزم في سماء اليمن، وهذه السيطرة الجوية تصل إلى درجة عالية من الكفاءة والاحترافية التي تجعلها نموذجاً عسكرياً يُقاس عليه، ويُحتذى به خلال المواجهات مع مختلف القوى المتصارعة التي تريد أن تعصف بأمن واستقرار دول الخليج خصوصاً، والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.
والخلاصة: إن الحروب الحديثة اليوم أصبحت تُحسم جواً، وانعدام الاستقرار في اليمن هو البيئة الإستراتيجية التي يجب أن نفترضها اليوم وأنها ليست حالة مؤقتة، الأمر الذي يتطلب احتكار السعودية للسيطرة الجوية وعدم السماح لليمن لامتلاك سلاح جوي قد يكسر هذا الاحتكار.